الاثنين، 28 يناير 2013

مفهوم التخييل في التراث النقدي عند العرب

مفهوم التخييل في التراث النقدي عند العرب

                                                         

ذ. مولاي يوسف الإدريسي


تقديم:
        اتسم الخطاب النقدي والبلاغي عند العرب –عبر سيرورتيه التاريخية والمعرفية- بتحولات مست أسسه النظرية وآلياته الإجرائية واتجاهاته التطبيقية، فتميزت كل مرحلة من مراحل تبلوره المعرفي واشتغاله الإجرائي بسيادة تصورات وأحكام جمالية خاصة، وهيمنة أجهزة مفهومية دون أخرى، إلى حد يمكن معه إعادة التأريخ له استنادا إلى درجة سيادة بعض المفاهيم والأحكام والتصورات وانتشارها في لحظات معينة بين النقاد والبلاغيين، ومدى اعتمادهم إياها آلية لتحديد شعرية الخطاب دون سواها.
        فبعد أن تخلص النقد والبلاغة العربيين من الآراء والمواقف التأثرية والانطباعية، وارتقيا بالنظر والحكم إلى التعليل الموضوعي والاستدلال العلمي المقنع الذي يتوسل بتصورات "نظرية" ويستند إلى رؤية منهجية مخصوصة، مع ابن طباطبا العلوي ( ت 322 هـ) وقدامة بن جعفر (ت337هـ) وغيرهما من النقاد الذين جاؤوا بعد المرحلة الأولى لتأسيس المصطلحات وتأصيل التصورات، تركزت الجهود البلاغية والمشاريع النقدية على بلورة أجهزة نظرية وآليات تحليلية شاملة وعميقة، تمكِّن من جمع شتات المصطلحات ولَمِّ التصورات المتفرقة، وتكثيفها في مفهوم واحد، يخرج بالأحكام والتصورات من التشتت والتكرار، ويؤسس لمقاربات جديدة ... ودقيقة تكون أكثر إحاطة بعناصر القضية أو الظاهرة المدروسة.
        وتكفي العودة إلى المدونة النقدية القديمة لتبين أن أبرز التحولات التي عرفها التفكير النقدي والبلاغي عند العرب إنما كان إيذانا بنضج الممارسة النظرية والمنهجية عند العرب، وارتقائها بآلياتها التحليلية وتصوراتها النقدية من الملامسة الجزئية إلى الاستبطان الكلي العميق. وقد تحقق ذلك من خلال مفاهيم، أبرزها: مفهوم عمود الشعر، ومفهوم النظم، ومفهوم التخييل.
فقد كان "عمود الشعر" الذي استقاه أبو علي المرزوقي ( ت421هـ ) من جهود النقاد والمتأدبين السابقين عليه، مفهوما متقدما في تاريخ النظرية النقدية عند العرب، أنهى به نقاشا طويلا كان يحصر فيه أصحابه جمالية الخطاب الشعري ضمن مكونات أسلوبية خاصة، ومحددات إبداعية دقيقة، ويرجعون من خلالها شاعرية الشاعر إلى مدى تمكنه من توظيفها وحسن صناعتها، فأوضح أن أدبية الشعر وبراعة الشاعر لا تعود إلى اللفظ والمعنى فقط، ولا إلى الصدق أو الكذب، ولا إلى الطبع والصنعة وغير ذلك من الثنائيات التي كانت تقارب مقاربة جزئية عند السابقين، وتنتهي بهم إلى تفضيل أحد عناصرها على الأخرى، بل ترجع -في تصوره- إلى حسن الربط بينها جميعا وجمالية صياغتها والتوليف بين عناصرها.
وكما هو الشأن بالنسبة إلى مفهوم عمود الشعر، كان مفهوم النظم لحظة بارزة في تاريخ البلاغة العربية، وقد استطاع من خلاله عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) أن يضع حدا لنقاش عمر طويلا، ولمشكل استفحل كثيرا، وكان يحول دون إدراك أبعاد جديدة في جمالية الخطاب، فبعد أن كان البلاغيون منقسمين إلى فريقين كل واحد منهما يناصر اللفظ أو المعنى ويرجع لأحدهما شعرية الخطاب، أبرز الجرجاني أن "أدبية الخطاب" لا تعود إلى المكون اللفظي ولا الدلالي، وإنما إلى طرائق تركيبهما ودرجات تآلفهما وتعالقهما، وهو ما سماه "النظم"، وهو مفهوم خلص به التراث البلاغي من هاته الثنائية الضيقة، وفتح به آفاقا رحبة أمام البلاغيين والنقاد اللاحقين.
ومن المفاهيم الكلية أيضا التي أسهمت إلى حد بعيد في تطور الممارسة النقدية والبلاغية عند العرب ونضجها مفهوم التخييل، وهو مفهوم على قدر كبير من الأهمية والخطورة معا، وعرف تحولات مست كينونته الاصطلاحية وقيمته الإجرائية، فبعد أن كان مصطلحا جزئيا يقارب بعض القضايا الأسلوبية في جمالية الخطاب، تحول مع الفارابي (ت339هـ) وابن سينا (ت428هـ) وحازم القرطاجني (ت684هـ) إلى مفهوم كلي جامع، يكثف تصورات عدة وعميقة. فلم تعد تقارب –في ظل اشتغاله وتوظيفه معهم- قضايا النقد والبلاغة مقاربات تجزيئية، وضمن آليات مفهومية متنوعة، بل أصبحت تعالج ضمن رؤية نسقية مترابطة، استنادا إلى التخييل الذي صار مفهوما نظريا وإجرائيا دقيقا وشاملا، يحيط بمختلف عناصر الخطاب الشعري ومستويات إنتاجه وتلقيه.
ولم يكن من الممكن لهاته المفاهيم أن ترقى إلى درجة الكلية والشمول دون استفادة النقاد والبلاغيين من جهود اللغويين والمتكلمين والفلاسفة وغيرهم، فقد كان للتراث العربي الإسلامي بمختلف روافده أثر بالغ ومتفاوت في تشكلها واشتغالها، وهو أمر يبدو جليا من خلال قيامها على أبعاد نفسية وفلسفية وأصولية. ولئن كانت هاته المسألة تقودنا إلى بحث حدود التأثر والتأثير بين الثقافة العربية الإسلامية وغيرها من الثقافات القديمة، فإنها تدفعنا إلى تسجيل ملاحظة أساس مؤداها: أنه مالم تقرأ المنجزات النقدية والبلاغية –وضمنها المصطلحات والمفاهيم- في إطار السياقات المعرفية والشروط التاريخية لتبلورها، يظل إدراك كل أبعادها وفهم دقائق تلويناتها أمرا بعيد المنال.
ولا يعني ذلك أن وكد الدراسة وأقصى طموحها ينحصران في القراءة السياقية، بمستوييها التاريخي والمعرفي، بل المقصود الدفاع عن قراءة تفاعلية للتراث، وهي قراءة تعي أولا استحالة إنتاج قراءة ثانية مستنسخة لقراءة أولى في ظل اختلاف شروط التلقي وتغير مرتكزاته، فتغير السياق يفرض حتما تغير نمط القراءة، وكل إصرار على إنتاج قراءة من هذا القبيل سيجعلها ممسوخة وغير تاريخية. وإذ تعي القراءة التفاعلية ذلك لا تنكفئ على المقروء وتقصره على الشروط الذاتية والموضوعية التي أنتجته، بل تنظر في العناصر أو البنيات والتصورات التي تلتقي بمنجزات العلم الحديث، وتسمح بتطويره وإثرائه، دون أن تغفل في معرض ذلك دور فعل القراءة وعملية التأويل في إعطاء معنى للمقروء. 
من ثمة فقراءتنا للتراث النقدي والبلاغي عند العرب، ومتابعتنا لمفاهيمه ومصطلحاته لا تتوخى البحث في الأسس المعرفية والمرتكزات النظرية، ومتابعة الخصوصية الثقافية، بل تنشد أيضا -وفي الوقت نفسه- النظر في التصورات والرؤى التي تتجاوز ضيق الخصوصية وتخرقها لتلامس رحابة الكونية والكلية. وهو ما يجسده مفهوم التخييل في التراث النقدي عند العرب الذي كان نتاج حسن الربط بين العلوم الأصيلة والعلوم الدخيلة، أعني البيان والفلسفة. 

1-   من الخيال والتخيل إلى التخييل :
تشي قراءة المدونة الشعرية والمعجمية العربية القديمة بأن كلمة خيال كانت من أبرز المشتقات تداولا بين الشعراء واللغويين والرعيل الأول من العلماء والمتأدبين العرب. وتفيد سياقات توظيفها أنها كانت تستعمل للدلالة على الطيف والصورة الماثلة في الذهن، ومن ثمة فقد كانت تشير إلى موضوع الخيال ومادته، ولم تكن تستخدم بمعنى الملكة الذهنية التي تسهر على ابتكار الصور المتخيلة وإعادة إنتاجها[1]. كما تؤشر سياقات تعريفها على غنى معانيها وتعددها، وبالرغم من التمييز الممكن بين مختلف مستوياتها الدلالية، إلا أن كل واحد منها يكتسب قيمته وأهميته بالنظر إلى تداخله مع المستوى الدلالي الآخر وترابطه معه.
وقد حفل المعجم العربي القديم بعدد هائل من التعريفات للخيال، لعل أبرزها قول أحمد بن فارس (ت395هـ): «(خيل) الخاء والياء واللام أصل واحد يدل على حركة في تَلَوُّن، فمن ذلك الخيال، وهو الشخص. وأصله ما يتخيله الإنسان في منامه؛ لأنه يَتَشَبَّهُ ويَتَلَوَّنُ»[2].
تكمن أهمية هذا التعريف في جانبين أساسين؛ أولهما: تأكيده أن كل المشتقات المتصلة بكلمة خيال ترتد إلى جذر واحد، وأن الخاصية الدلالية لهذا الجذر – ولمختلف المشتقات التي تنحدر منه- تتمثل في التحول الدائم والتغير المتواصل، ولهذا الأمر قيمة بالغة، لأنه يدل على أن القدامى لم يدركوا الجوهر الحركي للمعطى الخيالي فحسب، بل جعلوه أساس تعريفهم له أيضا؛ وثانيهما: ربطه بين الحلم والخيال وحده لهذا الأخير بالطيف أو الشخص، وهو الصورة التي تمرّ بالنفس وتمثل لها –بمظاهر متغيرة- هيأة مشابهة لموضوع مادي معين.
معنى ذلك أن الخيال لا ينفصل عن التخيل في الثقافة العربية الإسلامية من حيث كون الأول يستدعي الثاني ويؤدي إلى حدوث الحركة الذهنية الدالة عليه في النفس، فبدون مثير خارجي: طيف أو شخص أو هيأة لا يمكن للفعل التخيلي أن يتحقق ويشتغل، ولذلك أكدت المعاجم اللغوية أن: «الخيالُ والخَيَالَةُ: ما تشبّه لك في اليقظة والحُلُمِ من صورة»[3]؛ واعتبر الفراء (ت207هـ): أن « الخيال كل شيء تراه كالظل. وكذلك خيال الإنسان في المرآة. وخياله في المنام: صورة تمثاله. وربما مر بك شبه الظل فهو خيال»[4].
وقد مثل شعر "طيف الخيال" مجالا رحبا لاشتغال مشتقات كلمة "الخيال" وتداولها على نطاق واسع، وهو شعر وإن كان يعبر  فيه الشاعر عن تمثله لصورة حبيبته وزيارة طيفها له، فإنه  كان يقدم إلى جانب ذلك، وفي كثير من الأحيان، بعض الأحكام والملاحظات التي تسعى إلى فهم الطبيعة الإدراكية لفعل التخيل، وإلى تمييزها عن الأفعال الإدراكية الأخرى للنفس الإنسانية، وضبط بواعثها وغاياتها .
هكذا يلاحظ أن الشعراء القدامى اعتبروا طيف الخيال شكلا من أشكال الإشباع العاطفي الذي تقاسيه النفس الإنسانية، فقال الكميت بن زيد (ت126هـ) معبرا عن ذلك: [من المتقارب]                                                          
فَلَمَّـا  انْتَبَهْـتُ  وَجَدْتُ  الخيـالَ
***
أمـانِـــيَّ  نَفْسـي  وأفكــارهَا[5]
وقد أشار بعض الشعراء إلى أن عملية "التعويض" هذه ليست ذات غاية إمتاعية خالصة، بل تهدف أساسا إلى إعادة التوازن النفسي للشاعر والحد من روعه واضطرابه العاطفي، ويستشف هذا المعنى من قول  البحتري (ت284هـ):   [من الطويل]                                                           
ويكفيك مـن حقِّ  تَخَيُّلُ  باطِلٍ
***
تُرَدُّ  به نَفْسُ  اللَّهيفِ  فتَرْجِعُ[6]
ومن الملاحظات الأساس التي سجلها الشعراء أيضا أن فعل التخيل وعملية التعويض لا تتمان دون نشاط فكري للذهن، فمن غير تفكير يستحيل قيام نشاط تخيلي، يقول أبو تمام (ت231هـ) معبرا عن هذا التصور يقول  : [من البسيط]                                                              
زارَ الخيالُ  لها، لا،  بل  أزارَكَه
***
فِكْرٌ  إذا نام  فكر الخَلْقِ  لم يَنَمِ[7]
ويقول  أيضا:                                                        [من الخفيف]
نـم! فما  زارك الخيـالُ،  ولــ
***
 كِنَّكَ بالفكر زُرْتَ طَيْفَ  الخَيالِ[8]
على أن أهم ما سجله شعراء الطيف تأكيدهم أن العلاقة  بين التخيل والتأثر النفسي علاقة تلازم واقتضاء، فمتى ما قامت صورة  في ذهن الإنسان إلا أثرت فيه بنحو من الأنحاء، ويتخذ هذا التأثير في شعر طيف الخيال أوجها عدة ومستويات مختلفة، إذ يحدث على المستوى  النفسي فحسب، وقد يبرز على المستوى السلوكي أيضا.
ولا تنحصر العلاقة بين التخيل والتأثر النفسي في مجال الحديث عن صورة الحبيبة، بل تتسع لتشمل كل صورة ذهنية تقوم في النفس بشرط أن تختلف عن الجوهر الحقيقي لموضوعها وتخرق أصله الطبيعي. وقد كان للقرآن الكريم دور كبير في ترسيخ العلاقة بين الخيال والانفعال النفسي، وإثراء فعل التخيل، حين ربطه بمجال السحر، وذلك بقوله تعالى: (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل  إليه  من سحرهم  أنها  تسعى)[9].
فالتخيل نتيجة لفعل السحر، ويقوم هذا الأخير على قلب حقائق الأشياء لتبدو بصورة مختلفة  عن أصلها المادي وطبيعتها الواقعية، ويبدو في الآية الكريمة أنه يرتكز لتحقيق فعله على بصر  الإنسان؛ لأن التأثير في نفس الإنسان وحمل فكره على التسليم بصدقية حكم وهمي والانسياق لمقتضاه الخيالي يتم اعتمادا على الإدراك العيني، ويستشف ذلك من تفسير الطبري (ت 310هـ) للآية: «(…) وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس، قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم،  فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى»[10].
وحين متابعة المدونة الشعرية والمعجمية العربيبة القديمة نلاحظ أن كلمة "تخييل" لم تكن تختلف في استعمالاتها الأولى عند العرب عن معنى الخيال باعتباره صورة ذهنية ذات طبيعة وهمية ومخادعة، قال الأزهري (ت370هـ): «خيلت علينا السماء -إذا رعدت وبرقت قبل المطر. فإذا وقع  المطر  ذهب  اسم  التخييل.»[11]
تشير كلمة "تخييل" هنا إلى التمثلات الذهنية التي تحدث في النفس نتيجة مؤثر خارجي، وبالرغم من الطبيعة اللغوية العادية لهذا المعنى، إلا أنه يكتسي أهميته من كونه يميز بين المثير الذي هو  "الخيال" أو الطيف والشكل الخارجي، وفعل الإدراك الذهني وهو التخيل، ثم عملية التفاعل مع هذا المدرك، وهي هنا التخييل، ويبدو أن اللغويين سيعتمدون هذا التمييز، ويؤسسون عليه تعريفهم لاحقا لكلمات خيال وتخيل وتخييل، وهو ما يتبدى من تعريف الراغب الأصفهاني (ت502هـ): « خيل: الخيال أصْلُه الصورة المجردة كالصورة المُتَصَوَّرة في المنام وفي المرآة وفي القلب بُعَيْدَ غيبوبة المَرْئِي، ثم تستعمل في صورة كل أمر مُتَصَوَّرٍ وفي كل شَخْصٍ دَقِيقٍ يجري مَجْرَى الخَيالِ، والَّتخْيِيلُ تَصْويرُ خيال الشيء في النفس والتَّخَيُّلُ تصوُّر ذلك»[12].
يستشف إذن من التعريفات اللغوية السابقة لكلمات خيال وتخيل وتخييل واستعمالاتها الشعرية أن موقف العرب المبكر من الظاهرة الخيالية كان يتأسس على التشكيك في موضوعها والمواربة في تجلياتها. وبالرغم من إدراكهم لفاعليتها الذهنية وقيمتها النفسية، ووعيهم ببعض خصائصها الإدراكية الهامة والمميزة، إلا أنهم ما انفكوا ينبهون إلى جوهرها التضليلي وطبيعتها الخداعية، وهو أمر أكده الإسلام من خلال الربط بين السحر والتخيل، وسيساهم إلى حد بعيد في توجيه علماء البيان نحو صياغة موقف مماثل من التخييل الشعري.
2-   الأسس البيانية لمصطلح التخييل:
حين نتابع تصورات النقاد والبلاغيين العرب للخيال والتخييل الشعريين نلاحظ أنهم كانوا ينطلقون من المواقف التي رسخها الرعيل الأول من الشعراء واللغويين العرب بخصوص طيف الخيال، وما يرتبط به من تمثلات فكرية وصور ذهنية، كما نسجل أنهم ظلوا متأثرين بربط القرآن الكريم بين السحر والتخييل، وهو ربط سيزداد رسوخا في الوعي الجمالي عند العرب بعد تأكيد الرسول (ص) أن بعض البيان سحرٌ، وذلك في قوله: « إن من البيان لسحرا » [13].
لا تنحصر قيمة هذا الحديث في كونه يقارن بين السحر والبيان، ويعتبر أن البيان المثير للتخيلات النفسية هو مجرد عمل سحري، بل تكمن أيضا في تأكيده قيام السحر والبيان معا على أساس تخييلي، دون أن يستعمل كلمة تخييل، وهو أمر انتبه إليه ابن رشيق القيرواني فقال في معرض شرح الحديث إن الرسول: « قرن البيان بالسحر فصاحة منه صلى الله عليه وسلم، وجعل من الشعر حكما؛ لأن السحر يخيل للإنسان ما لم يكن للطافته وحيلة صاحبه، وكذلك البيان يتصور فيه الحق بصورة الباطل، والباطل بصورة الحق، لرقة معناه ولطف موقعه.»[14]
كما يكتسي الحديث قيمته وأهميته أيضا من كونه سيوجه الوعي الجمالي والنقدي عند الشعراء والنقاد، الذين سينطلقون من تأكيده ترابط عالم السحر ومجال البيان ليبرزوا طبيعة العلاقة ويرسخونها، ولعل من أول وظف هذا التصور ابن الرومي (ت284هـ) وذلك في قوله: [من البسيط]                                                          
في زُخْـرُفِ القولِ  تَرْجِيحٌ  لقائلهِ
***
والحقُّ  قـد  يَعْتريهِ  بعضُ  تَغْييرِ
تقـولُ: هـذا  مُجاجُ النحلِ  تَمْدَحُهُ
***
وإنْ تَعِـبْ  قلت: ذا قيءُ الـزَّنابِيرِ
مدحا  وذما، وما  جاوزْتَ وَصْفَهُمَا
***
سِحْرُ  البيانِ  يُرِي الظَّلمَاءَ كالنُّورِ[15]
ولا يقتصر توظيف هذا المعنى على ابن الرومي بل نجده أيضا لدى أبي هلال العسكري (ت395هـ) في معرض شرحه لإحدى تعريفات البلاغة، جاء في كتابه ديوان المعاني: « (…) وقال ابن المقفع: البلاغة كشف ما غمض من الحق، وتصوير الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق (…) وإنما الشأن في تحسين ما ليس بحسن وتصحيح ما ليس بصحيح بضرب من الاحتيال والتخييل ونوع من العلل والمعاريض ليخفى موضع الإساءة ويغمض موضع التقصير»[16].
ومن الجلي أن التصور الذي تتضمنه أبيات ابن الرومي وتعريف العسكري للبلاغة يقوم  على المزج بين المحتوى الدلالي الذي تنطوي عليه كلمة "يخيل" في الآية ستة وستين من سورة طه، والحكم الجمالي الذي عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: « إن من البيان  لسحرا». على أن أهمية العمل الذي قام به العسكري تكمن في أنه وظف كلمة "تخييل" لتحديد الطبيعة الجمالية والوظيفة التأثيرية لسحر البيان، وهو أمر على غاية الأهمية، لأنه خرج بالعلاقة بين البيان والسحر من غموضها والتباسها، فرقى بها إلى مستوى التحديد النظري والوضوح الاصطلاحي، فكان تعريفه أول تعريف تضمن -في التراث البلاغي حسب ما وصلنا من مصادر- كلمة تخييل في سياق تحديد ماهية البلاغة، وبيان عناصرها الجمالية ومقوماتها الأسلوبية.
ويفيد استعمال كلمة تخييل عنده أن القول البليغ هو الذي يوصل المعنى إلى القلب بأجمل  الأساليب وأبدع الصور، ويملك قدرة متناهية وفريدة على تغيير حقائق الأشياء وقلب جواهرها  الطبيعية، فيقنع المتلقي بصدق ادعاءاته وأحكامه الخيالية، بما ينطوي عليه من طاقة سحرية وقدرة تأثيرية.
ويبدو أن هذا المعنى الذي يحدد معنى التخييل من خلال ربطه بالسحر سيترسخ لدى النقاد والبلاغيين اللاحقين، وسيمثل البعد البياني للتخييل في البلاغة العربية المقابل للبعد الفلسفي القائم على المنطق. ويعتبر عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) من أبرز البلاغيين الذين يظهر عندهم البعد البياني بصورة جلية.
وتكمن قيمة الجرجاني في كونه أول بلاغي أفرد مبحثا خاصا لتحديد ماهية "التخييل" ومقاربته في أبعاده الجمالية والإيحائية والأسلوبية، كما أنه تناوله في معرض تمييزه بين ضروب المعاني ومستوياتها، فأوضح أن التخييل هو نمط من المعنى مقابل للنمط العقلي، فالعقلي يكون صريحا وصادقا وصحيحا، ويجري « مجرى الأدلة التي تستنبطها العقلاء، والفوائد التي تثيرها الحكماء، ولذلك تجد الأكثر من هذا الجنس منتزعا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم، ومنقولا من آثار السلف الذين  شأنهم الصدق، وقصدهم الحق، أو ترى له أصلا في الأمثال القديمة والحكم المأثورة عن القدماء»[17].
أما المعنى التخييلي فيتسم بالتشعب والتنوع والاتساع والاستعصاء على الضبط والتحديد، وهو نمط « لا يمكن أن يقال إنه صدق، وإن ما أثبته  ثابت وما نفاه منفي، وهو مفتن المذاهب، كثير المسالك، لا يكاد يحصر إلا تقريبا، ولا يحاط به تقسيما وتبويبا، ثم إنه يجيء طبقات، ويأتي  على درجات»[18].
ينم استهلال  الجرجاني  لحديثه عن الضرب الثاني من المعاني  بحرف "أما"، الذي  يدل  عند اللغويين على قطع الكلام السابق والأخذ في آخر مستأنف[19]، على أن معاني هذا القسم تفارق  معاني القسم السابق جملة وتفصيلا؛ فهي من طبيعة دلالية يتعذر الجزم بصدقها والتأكد من صحة  ادعاءاتها، ولا يمكن الإحاطة بكل خصائصها الجمالية وحصر مختلف مستوياتها الإيحائية، لأن  السمة الجوهرية التي تميزها تعدد أصنافها واتساع أساليبها وتنوعها. الأمر الذي يعني أنه أدرك منذ زمن بعيد الأساس الحركي للمعنى التخييلي وطابعه الامتدادي الذي يجعله منفلتا باستمرار من كل محاولات الحصر ومستعصيا دائما على كل أساليب الحد والتعريف، وهو تصور سعى إلى ترسيخه في ذهن قارئ تعريفه، فوظف لهذه الغاية كلمات: "مفتن" و"كثير" و"طبقات" و"درجات" واستعمل عبارات النفي: "لا يمكن" و"لا يكاد يحصر"، و"لا يحاط به".
ولم يقف إصرار الجرجاني على تأكيد اتساع "القسم التخييلي" وامتداد فنونه وتنوع تشكلاته عند هذا الحد، بل حرص على التنبيه عليه أكثر من مرة، فقال: « اعلم أن ما شأنه "التخييل"، أمره في عظم شجرته إذا تؤمل نسبه، وعرفت  شعوبه وشعبه، على ما أشرت إليه قبيل، لا يكاد تجيء  فيه قسمة تستوعبه، وتفصيل يستغرقه، وإنما الطريق فيه أن يتبع الشيء بعد الشيء، ويجمع ما يحصره  الاستقراء»[20]، وقال أيضا: « (…) فغرضي  الآن أن  أريك  أنواعا  من التخييل، وأضع  شبه  القوانين  ليستعان  بها على ما  يراد  بعد  من التفصيل  والتبيين»[21].
ولم تكن الصعوبة التي استشعرها الجرجاني جراء البحث في أمر التخييل الشعري وليدة عجزه عن الإحاطة بماهيته الإيحائية، أو عن وضع معيار يصنف مختلف تشكلاته الفنية كما اعتقد أحد الباحثين[22]، بل هي ناتجة عن موضوع البحث وسمة مميزة له. ولذلك فالوعي بالجوهر  الحركي للتخييل وبطابعه الامتدادي، وتجنبه ادعاء القدرة على محاصرته والإحاطة الشاملة  والدقيقة به يمثل دليلا قاطعا على ذكاء نقدي لامع يتقاطع مع النتائج العلمية التي سطرتها شعريات المتخيل في الدرس الحديث[23].
وقد تمخض عن هذا الوعي تصور هام مؤداه أن حركية المعاني التخييلية وخاصيتها  الامتدادية لا يمكن أن تتضحا بجلاء إلا إذا نظر إليها في علاقتها بعملية الإبداع الفني، وبطريقة تحققها على مستوى التشكل الجمالي للنص الشعري. ولذلك سيتوقف لبيان مفهومه للتخييل الشعري، في قوله: « وجملة الحديث أن الذي أريده بالتخييل ههنا، ما يثبت فيه الشاعر أمرا هو غير ثابت أصلا، ويدعي دعوى لا طريق  إلى تحصيلها، ويقول قولا يخدع فيه نفسه ويريها ما لا ترى»[24].
يتحدد التخييل لدى الجرجاني باعتباره رؤية جمالية للشاعر يتخطى بها ظواهر الواقع  العيني وعلاقاته المحدودة والثابتة ليلامس تمظهرات أخرى جديدة ويكشف عن علاقات مغايرة  ويصوغ ذلك بأسلوب إيحائي بديع  يقوم على الإثبات والادعاء؛ إنه مستوى آخر من الوعي بالعالم والتفاعل الوجداني مع أشيائه ومعطياته، وهو أداة الشاعر للإبداع الفني ووسيلته للنفاذ إلى الجوهر الجمالي المتجدد للعالم، وللقبض على موسيقاه السرية الساحرة التي توحد مختلف ظواهره وأشيائه، والتي لا تهتدي إليها الإدراكات العادية والسطحية[25].
ويكمن السر الذي يجعل الشاعر يكتسب هذه الطاقة الفريدة على رؤية  ما لا يراه غيره، أو على الفطنة والشعور بما لا يشعر به كل الناس كما عبر النقاد السابقون، في أن انتباهه مركز باستمرار على ما نحن في غفلة عنه، وفي أن إدراكه لا يؤدي إليه الأشياء فرادى ومعزولة عن غيرها، بل إنه لا يدركها إلا في علاقتها بمثيلاتها، ولذلك فكلما قامت في نفسه صورة موضوع مادي معين إلا وارتسمت في "خياله" الصور المشابهة لها في حركتها وهيأتها ومادتها، والتقطت  غريزته الشاعرية المشابهة المقصودة وجردتها من العوارض الملازمة لها التي لا تهم موضوع  التصوير الفني. 
ويعد التخييل الشعري -وفق هذا التصور- عملية خداعية يحتال بها الشاعر على ذاته قبل أن يحتال بها على الآخرين، ليؤثر في نفسه ويوهمها بصدق ادعاءاته. ويدل  ذلك على أن لا علاقة لمفهوم عبد القاهر الجرجاني للتخييل بمفهوم الفلاسفة المسلمين له؛ لأنه « يشير لديهم إلى الأثر الذي يتركه العمل الشعري في نفس المتلقي وإلى عملية التلقي –بوجه عام- من حيث هي استجابة نفسية تلقائية»[26]، في حين أن مفهومه له هو « كيفية خاصة في الرؤيا وآلية محددة في تمثل وتمثيل وقائع العالم وعلاقاته، آلية يمكن إيجازها في كونها إعادة تفسير وتأويل مبتكرين -ومن ثم خداعها- للعالم على مستوى وقائعه وعلاقاته»[27].
والتخييل بوصفه عملية خداعية لا يستهدف به الشاعر نفسه، بل ينشد أن يؤثر به في  المتلقين. وقد تناول الجرجاني هذا الأمر في سياق مقارنته بين الشعر والرسم على مستوى  المضامين والموضوعات، فأكد أن الشعر يماثل  فنون الرسم والنحت والنقش لأنه يقوم مثلها على التخييل والتصوير، ويشبهها في قدرتها على تحريك العواطف والتأثير في النفوس [28].
والتخييل بوصفه طريقة جمالية في تشكيل الصور وصوغ الأفكار والمعاني لا يحقق غايته التأثيرية ولا يماثل عمله فعل السحر إلا عن طريق المتعة الفنية التي يبثها في نفس المتلقي. ومعنى ذلك أن السرور والإعجاب واللذة وغيرها من الانفعالات العاطفية التي يستشعرها الإنسان في لحظة  تلقيه لعمل إبداعي متميز ما هي في الحقيقة إلا وسائل جمالية ذات أساس احتيالي يروم المبدع التأثير بواسطتها في عواطف المتلقين وأفكارهم وتغيير طرق وعيهم بالأشياء وتفاعلهم معها.
ولذلك، فاندماج المتلقي في صميم التجربة التخييلية للنص الشعري، وانسياقه لمقتضاها  الخداعي والاحتيالي أمران مرهونان بحذق الشاعر وبراعته في إيجاد الوسائل الإيحائية والصيغ  الأسلوبية القمينة بإخفاء الطابع الخداعي لعمله التخييلي، لأن أدنى شعور للمتلقي بأنه معرض  للاحتيال والخداع من شأنه أن يفسد عملية التلقي ويعرضها للفشل  الذريع. ولعل هذا ما يفسر لماذا  لا تستطيع كثير من النصوص الشعرية والأعمال الفنية أن تنفذ إلى دواخل نفس المتلقي وتعجز  عن التأثير فيه بالرغم من أنها تستوفي العناصر الأدبية والخصائص الجمالية الضـرورية، في حين تنجح أخرى في إدخال المتلقي ضمن سياقها التخييلي، فتوهمه بحقيقة ما يدعيه المبدع ويقوله، وتسحر من ثم عقله وتحدث  آثارا نفسية  وجمالية عميقة فيه.
وقد كان الجرجاني واعيا  بهذا الأمر، ولذلك أكد أهمية إيقاع التخاييل في النفس من حيث  لا يشعر بها المتلقي، واعتبر ذلك شرطا أساسا لانفعاله الجمالي بالعملية الإبداعية، ويتضح ذلك في قوله: « وقد يقصد الشاعر، على عادة التخييل، أن يوهم في الشيء هو قاصر عن نظيره في  الصفة أنه زائد عليه في استحقاقها، واستيجاب أن يجعل أصلا فيها، فيصح =على موجب دعواه  وسرفه= أن يجعل الفرع أصلا، وإن كنا إذا رجعنا إلى التحقيق، لم نجد الأمر يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ عليه، مثاله قول محمد بن وهيب: [من الكامل]                               
وبـدا  الصباح  كأن  غرته
***
وجـه الخليفة  حيـن يمتدح
فهذا  على أنه  جعل  وجه  الخليفة كأنه  أعرف  وأشهر  وأتم  وأكمل في النور  والضياء  من الصباح، فاستقام له بحكم هذه  النية أن يجعل  الصباح فرعا، ووجه  الخليفة  أصلا(…) وجهته الساحرة  أنه  يوقع  المبالغة  في نفسك من حيث  لا تشعر، ويفيدكها  من غير  أن يظهر ادعاؤه لها (…)  والمعاني إذا  وردت على النفس  هذا  المورد، كان  لها ضرب من  السرور خاص، وحدث  بها  من الفرح عجيب»[29].
تتوخى مقارنة الجرجاني بين الرسم والشعر التأكيد في المقام الأول على أن جمالية التخييل تتأتى من قدرته على "قلب الجواهر وتبديل الطبائع"، وهذه خاصية هامة لأنها تتضمن سمتي  الخداع والسحر اللتين تميزان العملية التخييلية، وتحيل في الوقت ذاته على الأساس الامتدادي الذي يسم الحركة الإبداعية  للتخييل ويجعل  تشكلاتها غير قابلة للحصر أو التحصيل، ويفتحها من ثمة على عوالم غير متناهية من الصور الجديدة والغريبة.
وتتأتى قدرة الشعر الخاصة على "قلب الجواهر وتبديل الطبائع" من طبيعته السحرية، وأسلوبه التصويري الذي يؤول الظواهر والمعطيات ويعللها وفقا لمنطق جمالي وإبداعي مغاير لضوابط الواقع العيني ومعاكس له، ويتجلى هذا الأمر أساسا في غرضي المدح والهجاء وهما من أكثر الأساليب الشعرية قلبا للحقائق وتغييرا لعللها الفاعلة. ولا معنى هنا  لإقحام مصطلح المحاكاة ضمن التصور النظري للتخييل الشعري لدى الجرجاني، وللقول إن مفهومه للتخييل  يأخذ معنى المحاكاة[30]، وإن فلاسفة الإسلام كانوا وراء نظرته إلى التخييل بوصفه « قياسا خادعا  يقوم على مقدمات كاذبة توهم المتلقي بمعان  خادعة تضلله»، وإنهم أسهموا في تأطير مقارنته  بين عمل الشاعر وعمل الرسام[31]، لأن خاصية السحر التي يعدها سمة محددة لجمالية التخييل ووظيفته الشعـرية، والتي عبر عنها بقوله: « يفعل من قلب الجواهر وتبديل الطبائع» تلتقي مع ما أشار إليه ابن المقفع بقوله: إن الشعر يصور الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، كما تتعالق مع ما كان يقصده العسكري بقوله إنه يحسن القبيح ويقبح الحسن. وقد سبق بيان في بداية هذا البحث أن الأصول النظرية لهذا التصور تعود إلى البدايات الأولى لنشأة الشعرية العربية، إذ كان العرب يعون أن للكلام الجميل الذي ينطوي على طاقة إيحائية بعيدة وقوة تصويرية بديعة سلطانا على النفس لا يرد ولا يقهر. وفي سياق هذا الوعي يندرج  قوله  صلى الله  عليه وسلم: "إن من البيان  لسحرا"، وعبارة "سحر البيان" في شعر ابن الرومي.
ويبدو أن عبد القاهر الجرجاني قد استثمر التقاطع الدلالي بين حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم والآية ستة وستين من سورة طه، والذي تدل عليه كلمات السحر والبيان والتخيل،  فأبرز في ضوئه الطبيعة التخييلية للشعر وخاصيته السحرية، فأصبح التخييل عنده أسلوبا جماليا  يصوغ المعاني في قوالب حسية ملموسة ويبثها في أذهان المتلقين وخيالاتهم لتؤثر فيهم وتقنعهم  بأمر من الأمور. وقد مكنه ذلك من بلوره مفهوم بياني للتخييل يفارق المفهوم الفلسفي ويختلف عنه.
3-   المرجعيات النفسية والفلسفية للتخييل:
  أجمعت مختلف الدراسات الحديثة والمعاصرة على أن أرسطو لم يستعمل مصطلح التخييل في كتابه: فن الشعر، واتفقت أيضا على أن ذلك قد مثل ثغرة كبيرة صعب سدها، وحالت دون فهم نظرية الشعر في أساسها الباطني ومصدرها النفسي[32]، كما أوضحت كثير منها أن الفلاسفة المسلمين انتبهوا إلى وجود تلك الثغرة في الكتاب فعملوا على التقريب بين مفهوم المحاكاة في كتابه: فن الشعر، ومفهوم الخيال في كتابه: في النفس، وهو ما أثمر في النهاية صياغتهم لمفهوم جديد وهام هو: التخييل[33].
فقد استخدمه الفارابي (ت 339هـ) وابن سينا (ت428هـ) وابن رشد (ت595هـ) في شروحاتهم وتلاخيصهم لكتاب الشعر، وكتب الخطابة والنفس والموسيقى وغيرها. وقد أوضحنا في دراسة سابقة أن اسخدامهم له يشي ويؤكد في آن معا أنهم لم يكونوا مجرد نقلة لكتب أرسطو وشراحا لها، بل كانوا يمارسون قراءة فاحصة لشعريته[34]، ويغنونها بتصورات جديدة « مستمدة من صميم نظرية القول عند العرب»[35].
وقد عمل الفلاسفة المسلمون على صياغة تصور مفهومي للتخييل يكشف خصوصية العملية الشعرية، ويحدد أسسها النفسية ومميزاتها الأسلوبية والوظيفية، وذلك من خلال استثمار المقولات الفلسفية والمنطقية، والمباحث النفسية والشعرية والموسيقية وغيرها. ولقيت تصوراتهم النظرية وأحكامهم الجمالية حول التخييل عناية خاصة واهتماما بليغا لدى بعض البلاغيين والنقاد العرب، الذين انطلقوا منها واعتمدوها مرجعا نظريا للتفكير في العملية الشعرية، وتحليل تجلياتها الإبداعية ومميزاتها الفنية ووظائفها الجمالية، فقامت كتبهم على أساس تطبيق مقولات شراح أرسطـو وتصوراتهم للتخييل.
ويعتبر حازم القرطاجني (ت684هـ) أبرز أولئك النقاد والبلاغيين وأكثرهم أهمية وقيمة، لكونه استطاع أن يبلور تصورا مفهوميا يستثمر –على نحو دقيق وعميق- تصورات الفلاسفة، ويستلهم -في الوقت ذاته- أحكام أئمة البلاغيين والنقاد وتصوراتهم للخصائص الإبداعية والفنية للخطاب الشعري، ولوظائفه التداولية وآثاره النفسية، ليصوغ من كل ذلك مفهوما دقيقا وشاملا للتخييل، يحيط بمراحل تخلق العملية الإبداعية وبخصائصها الإدراكية والتعبيرية، ثم بأشكال تفاعل ذهنيتي المبدع والمتلقي الخياليتين، ومستويات تقاطعهما في صميم العالم الإيحائي للنص الشعري.
ولعل مما يبرز ذلك على نحو دقيق وجلي تعريفه للتخييل، يقول: «التخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المُخيِّل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها انفعالا من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض»[36].
يشير هذا التعريف إلى أن التخييل في تصور القرطاجني عملية تفاعل جمالي بين الشاعر والمتلقي، ونشاط فني يندمج فيه المتلقي ـ ذهنيا وعاطفيا ـ في العالم الخيالي للنص الشعري، وينفعل بالمعاني الإيحائية التي يتضمنها وبطرق التعبير عنها؛ فحين تقع في خيال الشاعر صور لمعطيات مادية ذات محتوى وهمي، ويكتمل وعيه الخيالي بها، يصوغها ـ وفق طريقة انفعاله بها ونتيجة لذلك ـ في البنية اللغوية المناسبة لها، وينشرها بين الناس لكي تثير في نفوسهم وخيالاتهم الرؤى الجمالية والانفعالات العاطفية ذاتها التي عاشها الشاعر في تجربته الإبداعية. وهو ما يعني أن « الخيال هو وسيلة الاتصال بين المبدع وقارئه، ولولا وجود التخيل لظلت القصيدة صورا ميتة لا تجد طريقا إلى تمثلها والانفعال بها»[37].
ويشمل التخييل عند القرطاجني كل مكونات الخطاب الشعري، إذ لا يمكن « أن نتحدث عن أي عنصر من عناصر الشعر بمعزل عن التخييل»[38].فالتخييل يتم بالألفاظ بما هي محض أصوات، وبالمعاني، وبالتراكيب والأساليب، وبالإيقاعات العروضية، ومن الواضح أن هذا التصور مستمد من تقسيم ابن سينا لوسائل التخييل إلى أربعة مستويات في شرحه لكتاب الشعر[39]. ويبدو أن القرطاجني تشبع كثيرا به، فاعتبر التخييل محور العملية الشعرية والملمح المميز لكل مكوناتها وعناصرها، ولذلك قسم كتابه إلى أربعة أقسام: الألفاظ والمعاني والمباني والأساليب، وتناول في كل واحد منها خصائصه الجمالية ووظائفه التخييلية؛ ويبدو ذلك جليا في تعريفه للتخييل، وفي قوله كذلك: « والتخييل في الشعر يقع من أربعة أنحاء: من جهة المعنى، ومن جهة الأسلوب، ومن جهة اللفظ، ومن جهة النظام والوزن»[40].
وإذا كان هذا الأمر يدل على أنه أفاد من تراث الفلاسفة المسلمين، وخاصة شروح الفارابي وابن سينا لكتب أرسطو، فإنه لا يعني أنه اكتفى بترديد مقولاتهم وتصوراتهم، أو «أن فضله ينحصر في إجادة الشرح والتفسير دون أن يكون قد أتى بمبدأ جديد، أو ملاحظة جديدة»[41]! فالقرطاجني كانت له رؤية جمالية خاصة وعميقة لقيمة الخيال وأثره في تكوين العمل الشعري[42]، وقد مكنته من الاهتداء إلى تصورات دقيقة وملاحظات نافذة؛ من بينها أنه استدرك "القصور" الملحوظ في تعريفي الفارابي وابن سينا للتخييل، والذي يتجلى أساسا في تركيزهما على غايته الوظيفية على حساب توضيح طريقة إسهام المكونات اللغوية والتركيبية والإيقاعية للشعر في تحقيق الأثر التخييلي[43]، كما أنه صاغ تصورا كليا للتخييل يلم بمختلف الجهات الأربع الفاعلة فيه والمشكلة له، « وتلك الجهات هي ما يرجع إلى القول نفسه، أو ما يرجع إلى القائل، أو ما يرجع إلى المقول فيه، أو ما يرجع إلى المقول له»[44].
معنى ذلك، أن تعريفه للتخييل يدل على أنه استقصى مختلف جوانبه الدلالية ومستوياته الفنية، واختزلها بلغة مكثفة وضمن علاقات مترابطة ومتفاعلة، فلم يتناول أحدها بمعزل عن الأخريات، ولم يعرف التخييل باعتباره انفعالا كما هو الشأن بالنسبة إلى الفارابي وابن سينا[45]، ولكنه ربط هذا الجانب بالأسس السيكولوجية للعملية الشعرية التي تتصل بملكات الإدراك الباطني، وبخصائصها الإبداعية والإيحائية، وبالمكونات الأسلوبية للغة الشعرية، فاعتبره تمثيلا فنيا يثير صورا خيالية في الذهن، فتؤثر في النفس وتحملها على الانسياق لمقتضاها التخييلي.
وتتجلى أهمية هذا المسلك في أنه لا يفصل الأساس التشكيلي للنص الشعري وطابعه الإيحائي عن بعده الوظيفي؛ لأن التخييل وقبل أن يكون إثارة جمالية لانفعالات المتلقي، هو عملية تمثيل فني للواقع والأشياء بأسلوب بديع وعجيب، وما لم تحصل عملية التمثل الذهني فلن يتحقق الانفعال النفسي. وهذا ما حرص القرطاجني على ترسيخه في ذهن قارئ تعريفه للتخييل، ولذلك استهله بعبارة "أن تتمثل للسامع" وختمه بدالي "الانبساط والانقباض".
وحين تأمل تعريفه للتخييل، ومختلف سياقات توظيفه له، يتبين أنه أدرك ارتباطه بالمباحث النفسية، واتصاله بالجوانب الإدراكية، فحاول استثمار ذلك في مجال الإبداع الشعري، وربطه بالأساليب البلاغية، الأمر الذي جعل مفهومه عصيا على كل مقاربة لا تستحضر تعدد معانيه وتقاطعه مع مصطلحات فنية ومعرفية متنـوعة إلى حد يصعب معه القبض على معناه الدقيق والواضح، فالتخييل يقوم على أسس معرفية متمايزة، ويأخذ أبعادا متعددة، يمكن إجمالها في ثلاثة أبعاد أساس:« (…) بعد منطقي، وبعد سيكولوجي، وبعد بلاغي صرف. هذه الأبعاد للمصطلح قد تتباين أحيانا أو تتنافر لكنها - في أحيان أخرى- تتداخل وتتناغم، بحيث يصعب فصل أحدها عن الآخر»[46] .
         ويبدو تداخل هاته الأبعاد في بنية التعريف ذاته، ذلك أن العبارة التي استهل بها تحديده للتخييل تحيل على تعريف الفارابي للشعر بأنه هو التمثيل[47]، ومن ثمة فهي تندرج في سياق تأكيد الطابع الحسي للتخييل، باعتبار قدرته على تشكيل مواضيع فنية وإثارتها في الأذهان كما لو كانت ماثلة في الأعيان، ولذلك فقد تواتر بشكل لافت مصطلح الصورة في تعريفه. بيد أن توظيف هذا المصطلح لا ينحصر في إطار الدلالة على مجرد الشكل أو الصياغة الجمالية للمواضيع الشعرية فحسب، كما كان الشأن عند النقاد والبلاغيين الذين وظفوه في معرض حديثهم عن الخاصية الإيحائية للشعر، ولكنه أصبح ينطوي على «دلالة سيكولوجية خاصة، تترادف مع الاستعادة الذهنية لمدرك حسي، غاب عن مجال الإدراك المباشر، وتتصل اتصالا وثيقا بكل ما له صلة بالتعبير الحسي في الشعر»[48].
والعلاقة بين التخييل والحس علاقة واضحة ووطيدة في تصور حازم، لأن الصور والمعاني الشعرية لا تستطيع تحريك الخيالات والمشاعر إلا إذا مثلت تخاييلها بالمعطيات المادية المدركة بالحس، أو بما يكون متعلقا تمثله بإدراك الحس: « إن الأشياء منها ما يدرك بالحس، ومنها ما ليس إدراكه بالحس. والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله نفسه لأن التخييل تابع للحس، وكل ما أدركته بغير الحس فإنما يرام تخييله بما يكون دليلا على حاله من هيئات الأحوال المطيفة به واللازمة له، حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويشاهد. فيكون تخييل الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره والأحوال اللازمة له حال وجوده والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده»[49].
معنى ذلك، أن الحسية صفة ملازمة للتخييل الشعري، إذ بدونها يفقد خصائصه الجمالية ويفشل في تحقيق وظائفه التأثيرية. ومن ثمة «فلا مجال فيه للمجردات المفارقة للحس أو المدركات التي أدركناها بغير الحس، ما لم تعالج هذه المجردات أو المدركات معالجة تصلها بالحس، وتباعد بها عن التجريد المحض»[50].
وليس في قول القرطاجني بتبعية التخييل للحس أي إضعاف لعنصر الخيال أو تقييد لحركته الذهنية ونشاطه الإبداعي كما ذهب إلى ذلك عصام قصبجي[51]، ولكنه ينطلق في ذلك من تصور هام تمتزج فيه المباحث النفسية بالتصورات البلاغية مؤداه: أن كل التخاييل الإنسانية -جمالية كانت أم عادية-  لا يمكنها أن تتشكل إلا على أساس المعطيات المادية القائمة في الحس. وأن الرؤية شرط لازم للتخيل. لأن من لا حس له لا يمكنه على الإطلاق أن يستحضر بخياله الذهني صور المعطيات الإدراكية، كما لا يمكنه أيضا أن يتخيل موضوعا غير واقعي. وإذا كان الفلاسفة المسلمون قد أوضحوا هذه المسألة بتفصيل في مباحثهم النفسية[52]، فمما لا شك فيه أن القرطاجني اطلع على كتبهم ورسائلهم في هذا المجال، واستفاد منها كثيرا.
بيد أن تبعية التخييل للحس لا تعني في تصوره أن الصور الفنية التي يشكلها الخيال الشاعري يجب أن تكون مماثلة لظواهر الواقع العيني ومطابقة لطبيعتها المادية وخصائصها الحركية، فالتخييل رؤيا جمالية للذات والعالم، يتحرر بها الشاعر من الطرق الإدراكية المعهودة والمحدودة في النظر إلى الأشياء في علاقتها بذاتها وبالإنسان، ليكشف تشكلاتها المتناغمة والساحرة وإيحاءاتها البديعة الثاوية خلف مظاهرها الخارجية، والتي لا يمكن للإنسان أن يشعر بها إلا إذا خرق حدود إدراكه السطحي للأشياء، وركـز نظـره وتأمله على الجوانب التي يغفلها عـادة. وكون التخييل الشعري كذلك معناه « أنه لا ينسخ المدركات، بل يؤلف بينها ويعيد تشكيلها، مكتشفا العلاقات التي تقرب بين العناصر المتباعدة»[53].
ويرى القرطاجني أن الخاصية الجمالية للتخاييل الشعرية تتحدد في كونها تشكل معاني جديدة وصور غريبة لم تدرك من قبل، سواء كان موضوع تلك الصور والمعاني حاصلا في الوجود أم غير قائم فيه: «ومحصول الأقاويل الشعرية تصوير الأشياء الحاصلة في الوجود وتمثيلها في الأذهان على ما هي عليه خارج الأذهان من حسن أو قبح حقيقة، أو على غير ما هي عليه تمويها وإيهاما»[54].
فالعلاقة بين الشعر والعالم المادي تقوم على التمثيل والإيحاء، إذ يعيد الشاعر تصوير المدركات المادية أو يبتكر أشياء وهمية لا وجود لها في الواقع المحسوس، ولا تخلو العملية التخييلية في الحالتين معا من إبداع وخلق، لأنه مثلما يحتاج في المستوى الأول الذي يتعلق بخلق أشياء وهمية إلى أن يتخلص من الواقع الحسي ويتحرر من طرائق انتظام أشيائه وتمايزها، كذلك يحتاج في المستوى الثاني الذي يتعلق بتصوير الأشياء الموجودة ووصفها في ذاتها ولذاتها إلى أن يعمل فكره ويحرك قواه الخيالية ليبرزها بمظهر جميل أو قبيح. وذلك بتغليب جوانبها الإيجابية إن كانت الغاية هي التحسين، أو تضخيم جوانبها السلبية إن كانت الغاية هي التقبيح: « إذا خيل لك الشيء بالأقاويل المحاكية له فالمقصود محاكاة ما هو عليه من حسن أو قبح بأقاويل تخيل لواحقه وأغراضه التي بها علقة الأغراض، ومحاسن الشيء ومساويه راجعة إليه. فإذا حوكي الشيء بصفاته أو ما هو مثال لصفاته تصور بما يرجع إليه وبما له علقة بالأغراض مما يرجع إليه أو ما هو مثال لما يرجع إليه»[55].
وما يقوله القرطاجني هنا يدل على أن عملية التخييل في تصوره تتداخل مع فعل المحاكاة وتقوم عليه، إذ لا يمكن للشاعر أن يخيل للنفس ويمثل في الذهن موضوعا خارجيا إلا إذا حاكاه بصفاته وعوارضه الذاتية أو بما يشبه تلك الصفات والأعراض. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحاكاة المباشرة التي تصور الأشياء الحاصلة في الوجود وتمثلها في الأذهان على ما هي عليه في الواقع العيني لا تنطوي في تصوره على معنى التقليد والنقل الحرفي للعالم، بل إنها لا تخلو من إبداع وابتكار، لأن الشاعر حين يصور معطى إدراكيا مشهورا بلواحقه وأعراضه الذاتية المعروف بها، ويجرده من علاقاته الطبيعية والمادية مع المعطيات الإدراكية الأخرى التي يرتبط بها، فإنه يرمي بذلك إلى أن يركز انتباه متلقيي شعره عليه في ذاته ليستشعروا عناصر الجمال والإمتاع الكامنة فيه، والتي يصعب تمثلها دون فصله عما سواه. وهذا ما يقصده بقوله: « إن الأقاويل الشعرية ربما كان التحرك لما يتخيل من محاكاتها أشد من التحرك لمشاهدة الشيء الذي حوكي، وابتهاج النفس بما تتخيله من ذلك فـوق ابتهاجها بمشاهدة المخيل»[56].
ويعود السبب الذي يجعل النفس تبتهج وتتأثر بالصور المخيلة للأشياء المادية أكثر مما تبتهج وتتأثر برؤيتها المباشرة لها إلى انشدادها الغريزي للمحاكاة والتخييل، يقول: «لما كانت النفوس جبلت على التنبه لأنحاء المحاكاة واستعمالها والالتذاذ بها منذ الصبا، وكانت هذه الجبلة في الإنسان أقوى منها في سائر الحيوان (…) اشتد ولوع النفس بالتخيل، وصارت شديدة الانفعال له حتى أنها ربما تركت التصديق للتخيل. فأطاعت تخيلها وألغت تصديقها. وجملة الأمر أنها تنفعل للمحاكاة انفعالا من غير رؤية، سواء كان الأمـر الذي وقعت المحاكاة فيه على ما خيلته لها المحاكاة حقيقة، أو كان ذلك لا حقيقة له فيبسطها التخييل للأمر أو يقبضها عنه. فلا تقصر في طلبه أو الهرب منه عن درجة المبصر لذلك. فيكون إيثار الشيء أو تركه طاعة للتخييل غير مقصر عن إيثاره أو تركه انقيادا للرؤية»[57].
ولا شك أن ما يقوله القرطاجني هنا مستمد من تصورات الفلاسفة المسلمين[58]، وهو محاولة لتفسير جمالية الصور البلاغية على أسس نفسية، وبالنظر في نوع علاقة تخاييلها بالواقع المادي من حيث خرقها لمعطياته وأشيائه الحسية أو مطابقتها ومماثلتها لها.
ولئن اتضح فيما سبق أن التخاييل الشعرية التي تصور الأشياء الحاصلة في الوجود وتمثلها في الأذهان على ما هي عليه في الواقع العيني ليست نسخا مكررة لمعطيات الحس، ولكنها صور جمالية تنطوي على رؤى إبداعية جديدة، فإن هذا الأمر يبرز بجلاء حين يتجاوز الشاعر محاكاة الأشياء بصفاتها الذاتية إلى محاكاتها بصفات أشياء مغايرة لها في الطبيعة المادية والخصائص الحركية، إذ تتسع أمامه في هذا المستوى من التصوير والمحاكاة ضروب الإبداع، وتتشعب أمامه سبل التخييل، يقول في هذا المعنى: « إن محاكاة الشيء بغيره أطرف من محاكاته بصفات نفسه. وهي أكثر جدة وطراءة منها. فكانت محاكاته بها أطرف من محاكاته بصفات نفسه»[59].
تتأتى القيمة الجمالية لهذا النوع من المحاكاة من اتساع مداه التخييلي، لأن الحركة الإبداعية لقوى الشاعر الخيالية تتحرر فيه من قيود الحس، فيتمثل خياله أشياء وهمية لا وجود لها في الواقع المادي ولا سبيل لتمثلها بالإدراك الظاهري، بل لابد من إعمال الفكر والخيال للشعور بصورتها ومعناها الإيحائي. ويرى القرطاجني أن التخييل الشعري في هذا النوع من المحاكاة يجب ألا يتجاوز الحدود المعقولة والمقبولة في التصوير فيغلو في وصف الأشياء والمعطيات الحسية ويخرج بها « عن حد الإمكان إلى الامتناع والاستحالة»[60]، لأن شرط الانتقال «من بعض هذه المعاني الذهنية إلى بعض أن يكون ذلك غير خارج عن الهيآت التي وقعت للعرب في النقلة من بعض ذلك إلى بعض»[61].
ويكتسي هذا القول قيمة بالغة، لأنه يشي بتصور هام مؤداه أن النشاط الإبداعي للخيال الشاعري يتشكل ضمن المسافة الإدراكية الممتدة بين الحس والعقـل، وأن على حركته الذهنية ألا تتجاوز حدودهما وتخرقها. ولا يخفى أن هذا التصور مستمد من مباحث علم النفس القديم التي تشبع بها القرطاجني، والتي ترى أن قوى الخيال الذهني تتوسط بين الحس والعقل، وأن عملها يتصل بهما « فتأخذ عن الحس معطياتها أو مادتها الخام، وتعيد تشكيلها أو التأليف بينها، متأثـرة بانفعالات الشاعر، لكن في رعاية العقل الذي يـوجه مسار عملية التخيـل، ويضبطها ضبطا يتناسب مع طبيعة المحاكاة، باعتبارها تشكيـلا للأشياء الموجودة في الأعيـان، لا يخـرج -في النهاية- عن الممكن   أو المحتمل بالضرورة»[62].
ومعنى ذلك، أن التخييل الشعري حر في تعامله مع موضوعات إبداعه وطرائق تشكيله لها، «لكن من خلال مجموعة من القيود يفرضها إطار القيم التي تشد إليه المحاكاة كلها، على مستويات متعددة منها المعايير الأخلاقية، وقواعد العقل الثاقب، والاستجابة إلى الأصول الكبرى التي صنعتها تقاليد الشعراء الفحول»[63]، والتي تقتضي أن تكون التخييلات الشعرية ذات طبيعة تمثيلية، بحيث تصور الأشياء المدركة بالحس أو الخيال أو الوجدان أو العقل بما يكون دليلا على حالها من هيئات الأحوال المطيفة بها واللازمة لها «حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويشاهد»[64].
ويبدو أن القرطاجني كان حريصا على تأكيد هذا التصور الذي يربط جمالية التخييل الشعري بقدرته على التقديم الحسي للصور والأفكار، ولذلك أردف -في تعريفه للتخييل- كلمة الشاعر بصفة المخيِّل. وإذا كان هـذا الأمـر يعني أن استجابة المتلقي للشعر وتفاعله الجمالي معه لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت صوره ومعانيه الإيحائية ذات قدرة على تحريك الخيالات والانفعالات النفسية، فإنه يندرج في سياق التمييز بين الشعراء الذين يستحقون فعلا صفة الشاعرية، لأنهم يمتلكون قدرات فريدة على الإبداع في اللغة، ولأن شعرهم يقوم فضلا عن الوزن والقافية، على تخيل معاني جديدة وأشياء بديعة؛  والشعراء الذين ليس لهم من الشاعرية إلا الاسم، والذين لا تعدو قصائدهم أن تكون كلاما منظوما معقودا بوزن وقافية[65].
ومثلما ميز القرطاجني بين الشاعر المخيل والناظم للقول بدون تخييل، ميز كذلك بين متلقيي الشعر، فأكد أن الشعر لا يحقق أثره التخييلي إلا عند من حصل له الاستعداد النفسي للانسياق إليه والتفاعل الجمالي معه؛ أما من لا يعير الشعر أي اهتمام، ولا يؤمن بجدواه وقيمته الوجودية والنفسية، فلا يمكن أن يؤثر فيه وأن يحرك مشاعره حتى ولو بلغ أعلى درجات الحسن والجمال[66]. ومن ثمة فكلمة السامع الواردة في تعريفه للتخييل لا تشمل كل متلقيي الشعر، ولكنها مقصورة على الفئة التي تكون مهيأة نفسيا وذهنيا للاندماج في العالم الخيالي للقصيدة، يقول: «وليست المحاكاة في كل موضع تبلغ الغاية القصوى من هز النفوس وتحريكها، بل تؤثر فيها بحسب ما تكون عليه درجة الإبداع فيها، وبحسب ما تكون عليه الهيئة النطقية المقترنة بها، وبقدر ما تجد  النفوس مستعدة لقبول المحاكاة والتأثر لها. (…) فتحرك النفوس للأقوال المخيَّلة إنما يكون بحسب الاستعداد (…) والاستعداد نوعان: استعداد بأن تكون للنفس حال وهوى قد تهيأت بهما لأن يحركها قول ما بحسب شدة موافقته لتلك الحال والهـوى (…) والاستعداد الثاني هو أن تكون النفوس معتقدة في الشعر أنه حكم وأنه غريم يتقاضى النفوس الكريمة الإجابة إلى مقتضاه بما أسلبها من هزة الارتياح لحسن المحاكاة»[67].
وتدل كلمتا "الانبساط والانقباض" اللتان يختم بهما تعريفه للتخييل على أن مدار هذا المفهوم تقبيح الأشياء أو تحسينها في ذهن المتلقي بالصورة التي تفضي به إلى التأثر بها إيجابا أو سلبا؛ فالتخييل، باعتباره تمثيلا فنيا، نشاط تصويري يحاكي ظواهر العالم المادي وأشياءه التي لها علاقة بالإنسان، فيشكلها بمظهـر جميل وممتع يحببها إلى النفس فيحملها على الانشـداد إليها والتعلق بها، أو يصورها بمظهر قبيح فتعافها النفس وتنفر منها[68].
وقد ركز حازم في منهاجه على هذا الفهم الوظيفي للتخييل الشعري «فانتهت عناوين جميع المناهج (الأبواب) التي ينقسم إليها بعبارة "من حيث تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها"، ولم يفلت من هذه العبارة منهج واحد»[69]. ويعود هذا الأمر إلى تصوره أن للشعر مهمة جمالية وغاية أخلاقية في حياة الناس. وأن تحسيناته للأشياء أو تقبيحاته لها تستهدف تحريك انفعالاتهم العاطفية ودفعهم إلى اتخاذ مواقف سلوكية منها[70].
ويرى القرطاجني أن وقوع التحسينات والتقبيحات في التخاييل الشعرية يتم -حسب الغاية الجمالية المستهدفة-عن طريق ثلاث وسائل:« محاكاة تحسين، ومحاكاة تقبيح، ومحاكاة مطابقة»[71]، وأن النوعين الأولين يتفرعان إلى أربعة أقسام؛ فمحاكاة التحسين تحسن الحسن أو القبيح، ومحاكاة التقبيح تقبح الحسن أو القبيح[72]
ويشي قيام التخييل الشعري على أساس عمليتي التحسين والتقبيح بأن فاعليته الجمالية تتصل بالسلوك الإنساني، وتتحدد بمدى قدرته على تعديل الأفعال والمواقف الناتجة عنه أو تغييرها إلى نقيضها، وتتحقق هذه الغاية حين يمثل الشاعر موضوعه الأصلي بالصفات المادية والمعنوية لموضوع آخر أشد قبحا أو أشد حسنا منه « فتسري صفات الحسن أو القبح من الموضوعات الثانوية إلى الموضوع الأصلي، فيميل إليه المتلقي أو ينفر منه، بعد أن يقوم ـ دون أن يعي ـ بعملية "قياس" تدعمها المماثلة، ويقويها المبدأ القائل إن ما يجوز على أحد المتماثلين يجوز على الآخر»[73].
ومما تجدر ملاحظته في هذا السياق أن التقسيمات السابقة لأنواع المحاكيات، والتي تمثل جانبا هاما من مفهوم التخييل عند حازم غريبة عن الشعرية الأرسطية، لأن التمثيل الذي يشكل جوهر مفهوم المحاكاة في كتاب الشعر يقوم ـ كما هو واضح في كتاب الشعر-  على أساسين هما تحسين الحسن حتى يبدو بصورة فاضلة وكاملة، أو تقبيح القبيح حتى يبرز بمظهر وضيع ودنيء، ولا يمكن عكس إحدى هاتين المحاكتين بأي شكل من الأشكال، لأن الأمر يتعلق بتصوير أخلاق الأبطال والأسياد و"الآلهة" وتمثيل طبائعهم السامية والنبيلة بأسلوب مناقض لأخلاق العبيد وعامة الناس. وذلك بغاية تحبيب الأخلاق النبيلة إلى النفس وحثها على نشدانها والاقتداء بها، وفي المقابل تكريهها من الأفعال الحقيرة وحملها على تجنبها[74].
معنى ذلك، أن أصول هذا التصور لا تعود إلى الخطاب الفلسفي، وإنما إلى بدايات التفكير الجمالي في أفانين القول وأنواعه البلاغية، حيث كان العرب منذ القرون الهجرية الأولى يشبهون الخصائص التمثيلية للشعر وقدراته التأثيرية بالسحر، وكانوا يعتبرون التخييل ضربا من الاحتيال والإيهام، لأنه يصور الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق؛ ومن ثم يحسن ما ليس بحسن ويقبح ما ليس بقبيح،  وهذا ما اتضح من قبل في تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم أن بعض البيان سحر، وفي تمثيل ابن الرومي للشعر بالسحر الحلال، وكذا في تعريف العسكري للبلاغة باعتبار الطبيعة الاحتيالية والتخييلية لمعانيها وأساليبها التصويرية.
وعليه، فمفهوم التخييل عند القرطاجني لم يكن ذا أصول فلسفية محضة، فقد تخللته بعض التحديدات والتصورات العربية الأصيلة التي ترسبت في ذاكرة المفهوم ووسمت ملامحه الدلالية والتداولية الأولى لما كان في طور التشكل والنشأة. ويتضح ذلك خاصة من معنى السحر الذي تنطوي عليه بعض استعمالات مصطلح التخييل في المنهاج، والتي يقترن فيها هذا المصطلح بكلمات: الحيل، والاحتيال والتحيل[75]. ويكتسي هذا الأمر قيمته وأهميته من كونه يبرز أن مفهوم التخييل عند القرطاجني لم يكن ذا أصول فلسفية فحسب، بل قام على أسس بيانية أيضا، خاصة في ربطه بين التخييل والسحر الذي لم يكن موضوع تفكير أرسطو، ولا يجد أي سند أو إشارة تعززه في كتابه في أصوله اليونانية.
والواقع أن قيمة التخييل لاتنحصر ضمن هذا الإطار بل تمتد إلى ما هو أعمق منه، بحيث تبرز المضامين الدلالية والأبعاد النظرية والمنهجية التي يحتويها المفهوم على أن احتكاك الذات العربية بثقافة الآخر ممثلة هنا الشعرية اليونانية، لم يكن محكوما دائما بالتبعية أو التلقي السلبي، بل قام على التفاعل والإثراء، وهو ما يبدو جليا مع القرطاجني، الذي تجاوز حدود التوظيف الحرفي للمفهوم إلى استنباته في تربته الجديدة، فلم يقتصر على المرجعية الفلسفية للتخييل كما تبلورت في كتب أرسطو في: النفس والشعر والخطابة والموسيقى، بل أغناها بالأصول البيانية المستمدة من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر القديم، وهو ما يمثل نموذجا في القراءة التفاعلية.

خاتمة:
تبين من خلال متابعة مفهوم التخييل في التراث البلاغي والنقدي عند العرب أنه ارتقى في البداية من مجال الاستعمال اللغوي إلى مجال التداول الاصطلاحي، وتحول بعد ذلك إلى أداة إجرائية لمقاربة العملية الشعرية، فاشتغل في سياقين معرفيين مختلفين، وانطوى نتيجة ذلك على تعدد دلالي وغنى نظري ومنهجي.
يتمثل السياق الأول في البيئة البيانية الأصيلة، ويعكسها الشعراء والمتأدبون والبلاغيون العرب الذين ظلوا ينطلقون في بلورة مفاهيمهم وصياغة تصوراتهم من أصول البيان العربي ممثلة في الشعر والقرآن والحديث، وقد ظل المفهوم يشتغل عند هؤلاء بمعنى بلاغي صرف، يتعلق بجمالية الخطاب الشعري، والخصائص الإيحائية والتعبيرية لأساليبه وبنياته، واتسم بالتأكيد على جوهره السحري وطبيعته الاحتيالية، وهو أمر يجد مبرره في رسوخ المعنى القرآني والحديثي الذي يماثل بين التخييل والسحر لدى أصحاب هذا التصور.
بينما يتجسد السياق الثاني في بيئة البلاغة المعضودة بالمنطق، وهي بيئة يحددها البلاغيون والنقاد الذين أفادوا من الشعرية الأرسطية ووظفوا آلياتها وتصوراتها في قراءة التراث النقدي والبلاغي عند العرب، ولئن كنا قد توقفنا عند حازم القرطاجني، فلأنه تجاوز في تصورنا كل السابقين والمتأخرين عليه في توظيف مفهوم التخييل، بحيث ارتقى به إلى درجة التكامل النظري والإجرائي، فلم يعد معه مجرد أداة لتحديد بعض عناصر الخطاب الشعري، بل أصبح آلية تكثف كل ظواهر العملية الشعرية ومكوناتها وأساليبها، وتحل كثيرا من مشكلاتها المعقدة التي واجهها النقاد والبلاغيون المتقدمون دون أن يجدوا سبيلا إلى حلها.
وقد أوضح البحث أن قيمة مفهوم التخييل وأهميته عند القرطاجني تكمن في أنه أعاد صياغة أبرز المقولات النقدية والبلاغية، فأغناها بما تأدى إليه من كتب الفلسفة والنفس والشعر الأرسطية وغيرها، ولئن مكنه ذلك من الارتقاء بالتفكير البلاغي والنقدي عند العرب إلى درجات عليا من النضج والنظري والتناسق المنهجي، فقد سمح له بإبراز أن الذات العربية لم تكن تكتفي بنسخ مقولات الآخرين وترديدها، بل كانت تتفاعل معها، وتخضها لخصوصيتها الثقافية ورؤيتها الوجودية للعالم والآخرين، طامحة في هذا وذاك إلى الإجابة عن أسئلتها الذاتية الخاصة لا عن أسئلة الآخرين، والانتقال في قراءة تراث الآخرين من الاستيعاب والتقبل إلى التفاعل وإعادة الإنتاج.



المصادر والمراجع

1. بالعربية
§          الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة  العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري، عباس ارحيلة، منشورات كلية الآداب-الرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 40، ط1، 1999.
§          أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة، ط1، 1991.
§          التخييل والشعر حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية، د.يوسف الإدريسي،  منشورات الملتقى، أسفي، ط1، 2008.
§          التخييل والمحاكاة في التراث الفلسفي والبلاغي، د. عبد الحميد جيدة، دار الشمال للطباعة والنشر، لبنان، ط1، 1984.
§          تهذيب اللغة، الأزهري،  تح: عبد الكريم العزباوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، د.ت.
§          جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، دار الفكر، لبنان، 1988.
§          الخيال والمتخيل في الفلسفة والنقد الحديثين، يوسف الإدريسي، منشورات الملتقى، مراكش، ط 1، 2005، ص19.
§          الديوان ، البحتري ، تح: حسن  كامل  الصيرفي، دار  المعارف، مصر، ط2، د.ت.
§          ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، أبو تمام ، تح: محمد عبده عزام، دار المعارف، مصر، ط4، د.ت.
§          ديوان ابن الرومي، ابن الرومي، تح: د. حسين نصار، الهيئة العامة المصرية للكتاب، د.ت.
§          ديوان المعاني، أبو هلال العسكري، عالم الكتب، د.ت.
§          الشعر والشعرية، الفلاسفة  والمفكرون العرب ما أنجزوه وما هفوا إليه، د.لطفي اليوسفي، الدار العربية للكتاب، 1992.
§          الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1992، ص 15.
§          طيف الخيال، الشريف المرتضى، تح: حسن كامل الصيرفي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، ط1، 1962.
§          العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت،  ط4، 1972.
§          فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، محمد فؤاد عبد الباقي ومحي الدين الخطيب، دار الفكر، المكتبة  السلفية، الجزء العاشر، د.ت.
§          في السياسة، تر: الأب أوغسطينس برباره البولسي، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت، ط2، 1970.
§          المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، ابن سيدة، تح: إبراهيم الخامس، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، ط1، 1971.
§          المفـردات في غـريب القـرآن، الراغب الأصفهاني، تح وضبط: محمد سيد الكيـلاني، دار المعـرفة،  بيروت، د.ت.
§          معاني الحروف، علي الرماني، تح: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار نهضة مصر، د.ت.

§          مفهوم الإبداع الفني في  النقد العربي القديم، مجدي أحمد توفيق، سلسلة دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
§          مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي، د. جابر عصفور، دار التنوير للطباعة والنشر، ط3، 1983.
§          مقاييس اللغة، الجزء الثاني،تح: عبد السلام هارون، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1366هـ، 2/235.
§          اللفظ والمعنى بين الإيديولوجيا والتأسيس المعرفي للعلم، طارق النعمان، سينا للنشر، القاهرة، ط1، 1994، ص 170.
§          الموازنة، الجزء الأول والثاني، الآمدي، تح: السيد أحمد صقر،  دار المعارف، مصر،  ط 2، 1973،1/169.
§          ابن منظور: لسان العرب المحيط،  دار الجيل  بيروت، 1988، 11/230.
§          منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، تقديم وتحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1986.
§          نظرية حازم القرطاجني النقدية والجمالية في ضوء التأثيرات اليونانية، د. صفـوت الخطيب، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، د.ت.
§          نظرية  اللغة  والجمال في النقد العربي، د. تامـر سلـوم، دار الحوار، اللاذقية، سورية، ط1، 1983.
§          نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم، د. عصام قصبجي، دراسة  تطبيقية في شعر أبي تمام وابن  الرومي والمتنبي، دار القلم  العربي للطباعة، والنشر، ط1، 1980.

2.بالفرنسية
§        La poétique, ARISTOTE,  texte, traduction, notes par : Roselyne  Dupont-Roc  et  Jean  Lallot, col : Poétique, éd Seuil, 1980.


  










[1] أنظر الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 1992، ص 15.
[2]  مقاييس اللغة، الجزء الثاني،تح: عبد السلام هارون، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1366هـ، 2/235.
[3] ابن سيدة: المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، تح: إبراهيم الخامس، معهد المخطوطات بجامعة الدول  العربية، ط1، 1971، 5/159.
[4] الأزهري: تهذيب اللغة، تح: عبد الكريم العزباوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، د.ت، 7/565، ابن منظور: لسان العرب المحيط،  دار الجيل  بيروت، 1988، 11/230.
[5] الآمدي: الموازنة، الجزء الأول والثاني، تح: السيد أحمد صقر،  دار المعارف، مصر،  ط 2، 1973،1/169. الشريف المرتضى: طيف الخيال، تح: حسن كامل الصيرفي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، ط1، 1962 ، ص 15.
[6] البحتري: الديوان ، تح: حسن  كامل  الصيرفي، دار  المعارف، مصر، ط2، د.ت، 2/1269.
[7] أبو تمام: ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تح: محمد عبده عزام، دار المعارف، مصر، ط4، د.ت، 3/ 185.
[8] نفسه ، 4 / 259.
[9] طه، 66.
[10] الطبري: جامع البيان عن تأويل  آي القرآن، دار الفكر، لبنان، 1988، 16/185.
[11]  الأزهري: تهذيب اللغة، مذكور، 7/564.
[12] الراغب الأصفهاني: المفـردات في غـريب القـرآن، تح وضبط: محمد سيد الكيـلاني، دار المعـرفة،  بيروت، د.ت، ص 162.
[13] ويروى كذلك: "إن  بعض البيان لسحر" ابن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، محمد فؤاد عبد الباقي ومحي الدين الخطيب، دار الفكر، المكتبة  السلفية، الجزء العاشر، د.ت، 10/237.
[14] ابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت،  ط4، 1972، 1/27.
[15] ابن الرومي: ديوان ابن  الرومي، تح: د. حسين  نصار، الهيئة العامة المصرية للكتاب، د.ت، 3/1144.
[16]  أبو هلال العسكري: ديوان المعاني، عالم الكتب، د.ت، 2/88-89.
[17] عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة، ط1، 1991، ص 263.
[18] نفسه، ص 267.
[19] علي الرماني: معاني الحروف،  تح: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار نهضة مصر، د.ت، ص 129.
[20] عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة ، مذكور، ص 275.
[21] نفسه، ص 301.
[22] أنظر د. عصام قصبجي: نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم، دراسة  تطبيقية في شعر أبي تمام وابن  الرومي والمتنبي، دار القلم  العربي للطباعة، والنشر، ط1، 1980، ص 151.
[23] يوسف الإدريسي: الخيال والمتخيل في الفلسفة والنقد الحديثين، منشورات الملتقى، مراكش، ط 1، 2005، ص19(1).
[24] عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة ، مذكور، 275.
[25] أنظر د.لطفي اليوسفي: الشعر والشعرية، الفلاسفة  والمفكرون العرب ما أنجزوه وما هفوا إليه، الدار العربية للكتاب، 1992، ص 342.
[26] طارق النعمان: اللفظ والمعنى بين الإيديولوجيا والتأسيس المعرفي للعلم، سينا للنشر، القاهرة، ط1، 1994، ص 170.
[27] نفسه، ص 170-171.
[28] عبد القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، مذكور، ص 342-343.
[29] عبد القاهر  الجرجاني: أسرار البلاغة، مذكور، ص 223-224.
[30] د. شكـري عيـاد: دراسة  تأثير  كتاب أرسطو في البلاغة  العربية ضمن  كتاب أرسطو طاليس في الشعر،  دار الكتاب  العربي للطباعة والنشر،  القاهرة، 1967، ص 260-261، د. تامـر سلـوم: نظرية  اللغة  والجمال في النقد العربي، دار الحوار، اللاذقية، سورية، ط1، 1983، ص 180-181، ص 206.
[31] د. جابر عصفور: الصورة الفنية، مذكور، ص 76، 283.  أنظر أيضا د. شكري  عياد: كتاب أرسطو طاليس في  الشعر، مذكور، ص 241.
[32] د.يوسف الإدريسي: التخييل والشعر حفريات في الفلسفة العربية الإسلامية، منشورات الملتقى، أسفي، ط1، 2008، ص32-33.
[33] نفسه، ص109.
[34] نفسه، ص 108.
[35] د. لطفي اليوسفي: الشعر والشعرية، مذكور ، ص 201، 206.
[36] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1986، ص 89.
[37] د. صفـوت الخطيب: نظرية حازم القرطاجني النقدية والجمالية في ضوء التأثيرات اليونانية، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، د.ت، ص 95، ص 98. انظـر أيضا عباس ارحيلة: الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة  العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري، منشورات كلية الآداب-الرباط، سلسلة: رسائل وأطروحات رقم 40، ط1، 1999،  ص 698.
[38] د. عبد الحميد جيدة: التخييل والمحاكاة في التراث الفلسفي والبلاغي، دار الشمال للطباعة والنشر، لبنان، ط1، 1984، ص 200.
[39]  ابن سينا: فن الشعر من كتاب الشفاء، تح: عبد الرحمن بدوي، ضمن كتاب أرسطو طاليس فن الشعر، دار الثقافة، بيروت، ط2، 1973 ، ص 163.
[40] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور، ص 89.
[41] د. عصام قصبجي: نظرية المحاكاة، ص 184. انظر أيضا د. جوده نصر: الخيال  مفهوماته ووظائفه، سلسلة دراسات  أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،  القاهرة، 1984، ص 175.
[42] د. عباس ارحيلة: الأثر الأرسطي، مذكور، ص 698.
[43] د.يوسف الإدريسي: التخييل والشعر، مذكور ، ص 129.
[44] حـازم القـرطاجني: منهاج البلغاء وسـراج الأدباء، مذكور ، ص 346. انظر بهذا الصدد: د.جابـر عصفـور: مفهوم الشعر، مذكور ، ص 198.
[45] د.يوسف الإدريسي: التخييل والشعر، مذكور، ص 112-114.
[46] د. جابر عصفور: الصورة الفنية، مذكور ، ص 156. أنظر أيضا د. شكري عيـاد: كتاب أرسطوطاليس في الشعر، مذكور ، ص 258.
[47] الفارابي: مقالة في قوانين صناعة الشعراء، تح: عبد الرحمن  بدوي،  ضمن أرسطو طاليس،  فن  الشعر، دار الثقافة، بيروت،  ط2، 1973، ص 151.
[48] د. جابر عصفور: الصورة الفنية، مذكور ،  ص 299.
[49] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 98.
[50] د. جابر عصفور: مفهوم الشعر، مذكور ، ص 209 – 210.
[51] د. عصام قصبجي: نظرية المحاكاة، مذكور ، ص 195.
[52] د.يوسف الإدريسي: التخييل والشعر مذكور ، ص 88-89.
[53] د. جابر عصفور:مفهوم الشعر، دراسة في التراث النقدي، دار التنوير للطباعة والنشر، ط3، 1983، ص 207.
[54] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 120.
[55] نفسه، ص 120.
[56]  نفسه، ص 126 – 127.
[57] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 116.
[58] د.يوسف الإدريسي: التخييل والشعر، مذكور ، ص 133-135.
[59] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 129.
[60] نفسه،  ص 76.
[61] نفسه،  ص 17.
[62] د. جابر عصفور: مفهوم الشعر، مذكور ، ص 202.
[63] نفسه.
[64] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 98، انظر أيضا ص 29 – 30.
[65] نفسه: ص 26 – 28.
[66] نفسه، ص 121، 124.
[67] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 121 – 122.
[68] نفسه ، ص 113.
[69] مجدي أحمد توفيق: مفهوم الإبداع  الفني  في  النقد  العربي  القديم،  سلسلة  دراسات أدبية، الهيئة  المصرية العامة للكتاب، 1993، ص 250.
[70] المصدر  السابق، ص 106.
[71] نفسه، ص 92.
[72] نفسه، ص 81.
[73] د. جابر عصفور: مفهوم الشعر، مذكور ، ص 162.
[74]  يقول أرسطو في هذا السياق: «ولقد انقسم الشعر وفقا لطباع  الشعراء: فذووا  النفوس  النبيلة حاكوا  الفعال النبيلة وأعمال الفضلاء؛ وذووا النفوس  الخسيسة  حاكوا  فعال  الأدنياء فأنشأوا  "الأهاجي"، بينما  أنشأ  الآخرون الأناشيد والمدائح» (أرسطو: فن الشعر، مع الترجمة العربية  القديمة وشروح الفارابي وابن  سينا وابن  رشد،  ترجمة وشرح وتحقيق: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت، ط2، 1973، ص 13). ويجد انقسام  الأجناس الشعرية بحسب اختلاف الطبائع الخلقية والنفسية تفسيره في بنية المجتمع  الإغريقي الذي  كان  يتكون من  طبقتين اجتماعيتين متقابلتين: طبقة الأحرار والمثقفين وتضم  الأسياد والساسة والفلاسفة؛ وطبقة العامة والعبيد وتضم  الحرفيين والمأجورين والجنود. يقول أرسطو بهذا الصدد: «بما أن الحضور صنفان، منهم الأحرار المثقفون، ومنهم  السوقة المؤلفون من الصناع والأجراء ومن آخرين يحاكونهم، فإنه لا بد أن تخصص لأمثال هؤلاء مباريات ومشاهد تريحهم  وتشرح صدورهم (…) فكل يستطيب ما يلائم طبعه». (في السياسة، تر: الأب  أوغسطينس برباره البولسي، اللجنة اللبنانية  لترجمة  الروائع، بيروت، ط2، 1970، ص 444). وقد أثرت  هذه البنية الطبقية للمجتمع الإغريقي على البنية  الجمالية للشعر،  فتمخض عنها  جنسان  شعريان: التراجيديا التي تمثل  الأفعال النبيلة؛ والكوميديا التي تمثل  الأفعال  الخسيسة.
ولا يعني اختلاف الأجناس الشعرية وانقسامها وفقا للتركيبة الاجتماعية للإغريق أن لكل طبقة جنسا  شعريا خاصا بها، وأن حضورها  إلى المسرح يقتصر على متابعة عروض محددة دون أخرى. فللأسياد والعبيد  والمثقفين والعامة الحق  في متابعة كل المسرحيات التي تعرض في  أثينا. وأرسطو لا يصرح في  أي مكان  -كما يؤكد ذلك المترجمان الفرنسيان- بأن  التراجيديا  تخص الجمهور الفاضل، وأن الكوميديا تخص الجمهور الخسيس.
 )ARISTOTE : La poétique, texte, traduction, notes par : Roselyne  Dupont-Roc  et  Jean  Lallot, col : Poétique, éd Seuil, 1980.,  P 168, n (6).(
[75] أنظر حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، مذكور ، ص 17، 33، 72، 85، 175، 210، 280، 294، 316، 319، 346، 361.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق