الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

ثانيا - بلاغة التخييل


[تنويه هام جدا للإخوة الباحثين العرب:
 الموضوع الراهن جزء من بحث تم نشره ضمن أشغال مؤتمر علمي وقد تم وضعه هنا ليستفيد منه طلبة الدراسات العربية ضمن سلسلة دروس ومحاضرات]
كان التفكير في المعنى وطرائق تشكله ومستوياته التعبيرية والدلالية ودرجات التفاعل معه أساس النظر في التواصل والبحث في مستوياته التفاعلية، وقد تميز النظر الفلسفي، عن غيره، بمقاربة سعت إلى البحث في ذلك من زاوية وبأدوات أكثر عمقا ونجاعة، لكون أصحابه لم يكتفوا بالوقوف عند علاقة التفاعل بين الشاعر والمتلقي، كما لم يرتهنوا بالإنجاز الكلامي للغة، وبطرائق التعبير اللفظي عبر الصوت، بل تجاوزا ذلك إلى ماهو أبعد، بحيث نظروا للعلاقة التواصلية والنشاط التفاعلي من مستويات متعددة تتصل بعلاقة الذات المبدعة بالعالم الخارجي والنشاط الإدراكي لهذا العالم والمظهر التعبيري الذي يتخذه ذلك النشاط بمستوياته اللفظية والدلالية والخطية، وطبيعة التفاعل من خلال هذه العناصر والمستويات مع الذوات الأخرى، عبر الكلام من جهة، وعبر  الكتابة وأشكال التعبير الخطي من جهة أخرى، ليصبح بذلك الخط وسيلة تواصلية جديدة تنقل المعرفة بين الناس وتمكن من تحقيق التفاعل بينهم.

أولا - بلاغة الفهم:


[تنويه هام جدا للإخوة الباحثين العرب:
 الموضوع الراهن جزء من بحث تم نشره ضمن أشغال مؤتمر علمي وقد تم وضعه هنا ليستفيد منه طلبة الدراسات العربية ضمن سلسلة دروس ومحاضرات]
لخص التصور البياني مفهومه للتواصل البلاغي في الفهم والإفهام، وتجسد ذلك أساسا في كثير من الآراء والمفاهيم التي نشأت في أحضان العلوم العربية الأصيلة، ولاسيما علم اللغة وعلم الكلام وعلوم القرآن، وكان دافعها فهم النص القرآني وبيان أوجه إعجازه، واتخذت من الشعر وسيلة للمقارنة بينه وبين الكتاب المنزل. وهي آراء ومفاهيم كانت صميمة العروبة، وظهرت خلال القرن الأول للهجرة، ولم تكن لها أية علاقة – مباشرة على الأقل- بالعلوم الدخيلة من فلسفة ومنطق وتصوف وغيرهما مما لم يكن للعرب عهد بها من قبل.
ولعل أبرز ما يؤكد الأجواء العربية الأصيلة التي نشأ فيها هذا التصور الحكاية التي رواها ياقوت الحموي (ت626 هـ) عن أبي عبيدة (ت210هـ): «قال أبو عبيدة: أرسل إليَّ الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومئة، فقدمتُ إلى بغداد، واستأذنْتُ عليه، فأَذِن لي فدخلتُ عليه(...) ثم دخل رجلٌ له هيئة، فأجلسه إلى جانبي، وقال له: هذا أبو عبيدة عَلاَّمة أهل البصرة، أَقْدَمْناه لنستفيد من علمه وقال لي: إني كنت إليك مشتاقاً، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرِّفك إياها؟ فقلت: هات. قال: قال الله تعالى: ﴿طَلْعُها كأنه رؤوس الشياطين﴾[الصافات: 65]، وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عُرِف مثله، وهذا لم يُعرف. فقلت: إنما كلَّم الله تعالى العرب على قَدْر كلامهم، أما سمعتَ قول امرئ القيس:
          أيقتُلني والمَشْرَفيُّ مُضاجِعي
         ومَسْنونةٌ زُرْقٌ كأنياب أَغْوال
وهم لم يَرَوا الغول قط، ولكنهم لما كان أمرُ الغول يَهولهم أُوعِدوا به، فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل، وعَزَمْتُ من ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن في مثل هذا وأشباهه، وما يُحتاج إليه مِنْ عِلْمه، فلمَّا رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سَمَّيْتُه المجاز»[1]

البلاغة أفقا للتواصل


[تنويه هام جدا للإخوة الباحثين العرب:
 الموضوع الراهن جزء من بحث تم نشره ضمن أشغال مؤتمر علمي وقد تم وضعه هنا ليستفيد منه طلبة الدراسات العربية ضمن سلسلة دروس ومحاضرات]

التواصل لحظة تعبيرية تربط بين شخصين ويتحقق خلالها تفاعلهما ذهنيا ووجدانيا، وذلك من خلال اللغة أو حركات الجسد أو الصور والرموز وغيرها من الأشكال التعبيرية الأخرى التي تتضمن جملة من المعلومات والأفكار، ويرمي فيه كل طرف من أطرافه إلى نقل معلومات معينة إلى الآخر قصد تحقيق الإفادة وخلق التفاعل عبرها خلال لحظة تواصلهما[1]. وتتعدد أشكال التواصل وتختلف باختلاف وسائله التعبيرية وتنوع موضوعاته ومجالات تداوله وسياقات توظيفه وتحققه. وبالرغم من صعوبة حصر أنواعه ومستوياته المختلفة، إلا أن العلوم الحديثة المهتمة بدراسته تجملها في: التواصل الذاتي، التواصل الشخصي، التواصل الاجتماعي والتواصل الثقافي.
ومهما اختلفت أنواع التواصل وتعددت تحتل اللغة موقعا مركزيا في مجمل تشكلاته ووسائله، انسجاما مع مركزيتها في حياة الإنسان وقيمتها في كل عملية تفاعلية. وبسبب هذه الحظوة اعتنت نظرياته بالخطاب عامة والخطاب اللغوي خاصة، وحرصت على إنتاج مقاربات علمية تسبر أغواره وتحلل طرائق إنجازه ضمن سياقاته التفاعلية الخاصة، ومختلف الاستراتيجيات التي يستند إليها المرسل في تواصله مع الآخرين، مركزة في ذلك على النظر إليه باعتباره نشاطا اجتماعيا بين طرفين أو أكثر، ومؤكدة أنه يشمل أيضا الإنسان وذاته.

الاثنين، 11 يناير 2016

الحجاج والتخييل



الحجاج والتخييل
مقاربة للبعد الانفعالي للخطاب

 
 د.يوسف الإدريسي
  مقدمة : 
                                                                 
     « لا تفكر النفس بدون صور »[1], يختصر هذا القول الذي جاء على لسان أرسطو في كتابه: في النفس تصورا هاما يؤكد حاجة الفكر البشري الضرورية والدائمة – في مختلف أنشطته العقلية والذهنية إلى تمثلات خيالية لموضوع التفكير تيسر عملية ارتسامه في النفس , وتمكن بذلك من الإحاطة به . وفي سياق  شرح القول السابق أكد الفلاسفة المسلمون أن «كل ما تعقله النفس مشوب بتخيل»[2].