السبت، 18 أبريل 2009

الشعر في العصر الأموي الأساليب... ومظاهر التجديد

جامعة القاضي عياض                             شعبة العلوم الإنسانية والآداب والفنون
الكلية متعددة التخصصات- أسفي                                مسلك الدرسات العربية

أدب إسلامي أموي- الفصل الخامس
الشعر في العصر الأموي
الأساليب... ومظاهر التجديد

(مطبوع دراسي)
  

ذ. مولاي يوسف الإدريسي



        مقدمة
شهد العصر الأموي )من41هـ إلى 132هـ( صراعات "عاصفة" أثرت في مختلف مناحي الحياة ومستوياتها السياسية والفكرية والاجتماعية، وقد كان للشعراء في هذا العصر نصيب من تلك الصراعات، بحيث انخرطوا فيها، فخاضوا في الخلاف المذهبي الذي كان محتدا بين المتكلمين والفقهاء حول بعض القضايا الدينية المحضة، وتلك التي كانت تحكمها خلفيات "سياسية"، وهو ما جعلهم يصوغون قصائد هامة أسهمت في بلورة بعض المواقف من التحولات والتجاذبات التي كانت معتملة في الواقع، فأثروا بذلك الشعر العربي في هاته اللحظة بمضامين وموضوعات عديدة، وملامح أسلوبية جديدة لم يكن له عهد بها من قبل.

فعلى مستوى الموضوعات ظهر الشعر السياسي الذي جعل من الحكم والأحقية بالخلافة موضوعا له؛ وعلى مستوى الأساليب انبثق عنصر جديد يعتمد البرهنة والقياس، فلم يعد الشعر مجرد خطاب تخييلي يخاطب العاطفة والوجدان، بل صار خطابا حجاجيا استدلاليا يخاطب الفكر والعقل أيضا، وهو الأمر الذي سيفيد لاحقا في طرح سؤال ماهية الشعر، وسيدفع إلى التفكير في وضع حدود فاصلة بين الخطاب الإقناعي- العقلي، والخطاب التخييلي- العاطفي.
وعلاوة على ذلك، أسهمت روح الجدل التي شاعت في العصر الأموي بين المتكلمين في ظهور نوع شعري جديد، ألا وهو شعر النقائض. وهو شعر وإن كانت بعض إرهاصاته الأولى وملامحه المبكرة تعود إلى صدر الإسلام، إلا أن نشأته الفعلية وتطوره الفني يعودان إلى العصر الأموي، فكان يستلهم أصحابه في بناء نصوصهم وترتيب ادعاءاتهم بعض طرائق علماء الكلام ومناهجهم في صياغة الخطاب، فيحولون قصائدهم إلى خطاب حجاجي بامتياز.
وتؤكد متابعة أبرز التحولات الموضوعية والفنية والأسلوبية التي ميزت القصيدة العربية في عصر بني أمية أن جل مظاهر التجديد التي عرفها الشعر العربي خلال العصر العباسي -إن لم نقل كلها- إنما كان منشؤها ومنطلقها ما شهدته القصيدة خلال هذا العصر من تحولات وتجديدات، وهو أمر يجد تفسيره في أن الشعر في هذا العصر عاد إلى مهيعه الأول وروحه التخييلية الأصيلة والمتجددة.
1-  من مضايق "باب الخير" إلى رحابة عوالم الهيام :
         مثل صدر الإسلام –الذي يمتد من ظهور الإسلام إلى مقتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه سنة أربعين للهجرة- لحظة تراجع المقومات الفنية والعناصر الجمالية في الخطاب الشعري لصالح القيم الأخلاقية والتوجيهات الدينية، فعلاوة على تخلي بعض الشعراء عن قول الشعر اعتقادا منهم بتحريمه أو كرهه في الإسلام[1]، تحول لدى آخرين إلى مجرد معارضات لآي الذكر الحكيم في المعجم والتركيب والأسلوب والدلالة، فصار خطابا وعضيا يدعو إلى التمسك بتعاليم الإسلام ويحث على الخضوع لأوامر الله ورسوله[2].
        وقد كان طبيعيا أن يتأثر الشعراء – بعد تشبعهم بقيم الإسلام واقتدائهم بتعاليمه السمحة- بالأسلوب القرآني؛ ولعل مما يَسَّر لهم ذلك كثرة الوعَّاظ والنساك في صدر الإسلام الذين صاروا «يذيعون في مختلف الأجواء عبير وعظهم ونسكهم، سواء في المساجد الجامعة أو في مقدمات الجيوش الغازية. وكانوا يحدثون الناس عن البعث والثواب والعقاب ونعيم الجنة وعذاب النار داعين دعوة واسعة إلى التقوى والزهد في متاع الدنيا. وترامت من هذه المواعظ ومن القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأقوال الصحابة الأولين أشعة كثيرة نفذت إلى نفوس الشعراء وانعكست في أشعارهم على اختلاف موضوعاتها.»[3]  
        ولئن اتسمت هاته المرحلة بطغيان التوجيهات الدينية على حساب المقومات الجمالية، فإن محاكاة الشعراء للأسلوب القرآني، وحرصهم على استمداد بعض المعاني الدينية أسهما إلى حد بعيد في خروج الأغراض الشعرية المعروفة عن مهيعها الجمالي وميسمها التخييلي الموروث، فتحولت قصائد كثير منهم إلى خطابات دينية بامتياز، وقد شجع على ذلك –لغايات سياسية-الخلفاء الأمويون، الذين كانوا يحرصون على توجيه الشعراء نحوه، فقد حكي أن معاوية بن أبي سفيان قال للشاعر عبد الرحمن بن الحكم: « يا بن أخي، إنك شهرت بالشعر، فإياك والتشبيب بالنساء، فإنك تغر الشريفة في قومها، والعفيفة في نفسها؛ والهجاءَ فإنك لاتعدو أن تعادي كريما، أو تستثير لئيما؛ ولكن افخر بمآثر قومك، وقل من الأمثال ما توفر به نفسك، وتؤدب به غيرك.»[4] 
        إن القارئ لهاته النصيحة لا يحتاج إلى عناء كبير ليدرك أن ما عانته الدولة الأموية في عهدها الأول من تشكيك في أهليتها وشرعيتها في الحكم كان وراء صياغتها وتوجيهها للشعراء، بيد أن ذلك لا يمثل السبب الوحيد وراء صياغتها، إذ ثمة أسباب أخرى أبرزها ترسبات اللحظة السابقة التي شهدت مع الرسول r والخلفاء الراشدين (ض) حرصا على توجيه الشعر والشعراء وجهة إسلامية، وهو أمر سار عليه معاوية بن أبي سفيان وسعى إلى ترسيخه، فكان يحث الشعراء على تجنب طرق الموضوعات التي تتنافى مع قيم الإسلام وتوجيهاته، وتعيد إحياء الأهواء الجاهلية والعصبيات القبلية. وضمن هذا المسعى وذلك التوجيه تأثرت الأغراض الشعرية في العصر الأموي إلى حد بعيد بروح الإسلام، بل إن بعضا منها ظهر في هذا العصر، بعد أن كانت معانيه وصوره لا تتجاوز بضعة أبيات في القصيدة الجاهلية أو في صدر الإسلام.
        ولعل أول وأبرز غرض شعري ظهر هو الغزل العذري، وهو شعر كان نتيجة تأثر الشعراء بروح الطهر والصفاء والبراءة في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية التي سعى الإسلام إلى ترسيخها، كما كان تعبيرا عن رغبة إيمانية في السمو بتلك العلاقة إلى درجة القدسية، وهو ما أحاطها بهالة كبيرة من الجلال والوقار، فأصبح الشعراء يتوجهون -بعد أن يشتد ألمهم ويقوى عذابهم جراء حرمانهم من لقاء محبوباتهم- إلى الله تعالى يشكون ما أصابحهم من تباريح الحب ويتضرعون إليه ليخفف عنهم ما أصابهم، يقول جميل بثينة في هذا المعنى[5]:
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها
ولا بد من شكوى حبيب يُروَّعُ
ألا تتقين الله فيمــن قتلتـه،
...........................
فأمسى إليكم خاشعا يتضـرع؟
.............................
فيارب حببني إليها وأعطني
المودة منها أنت تعطي وتمنـع
        تدل هاته الأبيات على أن الخطاب الشعري تأثر إلى حد بعيد بالمعجم الديني، منه يستمد كلماته وعباراته، وفي ثناياه يصوغ كونه الشعري. فبعد أن فشلت كل محاولات الشاعر للقاء حبيبته والاستمتاع بها، وبعد أن تأكد أن كل ما قام به من استطاف واحتيال لينال ودها لم يُجْدِ نفعا، لم يجد بدا من التضرع إلى الله والتوجه إليه بالدعاء ليخفف عنه ما نزل، وليزرع الحب والطعف في قلبها.
        ولا يقتصر هذا التوجه الجديد للشعراء على الشعر العذري، بل يشمل أيضا الشعر الماجن، فهذا عمر بن أبي ربيعة –مع ما عرف عنه في شعره من تعهر واستهتار بالنساء وتغرير بهن- يوظف فكرة العفو والغفران التي رسخها الإسلام، وذلك في قوله[6]
فديتك أطلقي حبلي وجودي،
فإن الله ذو عفو غفور
        ومثلما تأثر الغزل بالمعاني الدينية، تأثر أيضا المديح الشعري بها، فأخذ الشعراء يركزون في مدائحهم على إضفاء معاني الفضيلة والطهر عليهم، ومما وثق هذا النوع  من التصوير عندهم فكرة ارتباط الحكم والدين في العصور الأولى للإسلام، فصار الشعراء يتحدثون عن الصفات الدينية التي تميز الخلفاء وتجعلهم أهلا لقيادة المسلمين ورعاية مصالحهم، مثل الورع والتقوى وإقامة شرع الله والذوذ عن حياض الإسلام والمسلمين. ومن النماذج الدالة على ذلك قول جرير مادحا عبد الملك بن مروان[7]:
لولا الخليفـةُ والقرآنُ يقـرَؤُهُ
ما قام للناس أحكـامٌ ولاجُمـَعُ
أنتَ الأمينُ أمينُ اللهِ لا سَـرِفٌ
فيمـا وَليـتَ ولاَ هَيَّابَـةٌ وَرَعُ
أنت المبارك يهـدي اللهُ شيعتهُ
فكل أمر على يمن أمرت به
.................................
إذا تفرَّقـتِ الأهـواءُ والشِّيَّـعُ
فيما مطاع ومهما قلت مستمع
...............................
ياآل مـروان إن الله فَضَّلكـم
فَضلا عظيما على من دينه البِدَعُ
يصور الشاعرُ الممدوح هنا بأنه ركن رئيس للدين، كما يعتبره حامي الإسلام وباسط الأمن في كل البلاد، فلولاه لما انعقدت صلوات الجمع في المساجد، ولما ظل المسلمون متوحدين وملتفين حول كلمة الله ورسوله. ولئن كان يصفه بالحفاظ على الأمانة مؤكدا أن بركة الله تعالى تلفه وتحفظه، فإنه يروم من خلال ذلك البرهنة على تفضيل الله له وتزكيته على خصومه وأعدائه وأعداء كل الأمويين ممن يسعون إلى بث الفتنة، ونشر البدع التي تزيغ بالمسلمين عن النهج الذي ارتضاه الله ورسوله لهم.
ولايختلف الهجاء في هذا العصر عن المديح، فمثلما كان الشعراء يمدحون ممدوحيهم بالتزامهم بطريق الحق واتباعهم لتعاليم الإسلام، كانوا يهجون خصومهم أيضا بالخروج عنها وعصيانهم لإرادة الحق سبحانه، فوصفوهم بالفسق والبغي والطغيان، ولعل مما يبرز ذلك رمي الكميت للأمويين بتهم الظلم وانتهاك الحرمات وتعطيل أحكام الدين وإحداث بدع تتنافى مع الكتاب والسنة وذلك في قوله [8]:
لهم كل عام بدعـــة يحدثونهـا
وعيــب لأهـل الدين بعد ثباته
أزلوا بها أتباعهم ثم أوحلوا
إلى محدثات ليس عنها التنقل
كما ابتدع الرهبان ما لم يجيء به
كتاب ولاوحي من الله منزل
تحل دمـاء المسلميـن لديهــم
ويحرم طلع النخلة المتهـدل
        لقد كان الشعر في العصر الأموي شعرا سياسيا بامتياز، ولذلك انخرط الشعراء في الصراع الإيديولوجي المعتمل في الواقع، والذي كان يدور حول مسألة الحكم في الإسلام، وبقدر ما كان هذا الصراع حادا، بل وعاصفا أحيانا عديدة، بقدر ما أسهم في توجيه الشعراء نحو الخطاب الديني، فحرصت كل طائفة منهم على توظيف المعجم القرآني والحديثي في أشعارها، وهو ما سيؤسس لظهور أسلوب بلاغي جديد سيعرف لاحقا في الدرس البلاغي تحت اسم الاقتباس والتضمين.
        ومثلما سيسهم ذلك في إغناء بعض موضوعات الشعر العربي وأغراضه بدلالات جديدة ذات طبيعة دينية، سيؤسس لاحقا لما سيعرف بالشعر الإسلامي[9]، كما سيؤدي إلى خفوت جوانب كبيرة منه، بحيث ستنحسر تجارب كثير من الشعراء وستضعف معانيهم الشعرية وتتدنى صورهم الفنية، مما سيخرج الشعر عن مهيعه التخييلي وهيامه الجمالي، ويدخله في محض الدعوة والإرشاد، وهو أمر كان نتيجة تحول خطابه إلى المباشرة والتقريرية، وارتكازه على دعاوى تنافح عن دين الله وتشكر له هدايته للناس، وتدعم القيم الأخلاقية التي جاء الإسلام لترسيخها في النفس.
        وقد التفت الأصمعي (ت 216هـ) إلى هاته السمة المائزة بين الشعر الجاهلي الذي كان هياميا –أو ضاربا في عمق التخييل- والشعر الإسلامي الذي أصبح دعويا، فاعتبر أن روح الشعر تقوم على "الشر" وتتنافى مع قيم الخير والفضيلة، ملمحا بذلك إلى أن الحد الفاصل بين الشعر والنظم أساسه الخير، بالمعنى الأخلاقي الضيق والمباشر للكلمة، ومؤكدا من ثمة أن ضعف شعر بعض شعراء صدر الإسلام كان بسبب التزامهم الحرفي –في أشعارهم- بالخطاب القرآني، وتحويلهم لها إلى نصوص دينية، وهو ما عبر عنه بقوله: « طريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لاَنَ، ألا ترى أن حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية والإسلام، فلما دخل شعره في باب الخير – من مراثي النبي r وحمزة وجعفر (ض) وغيرهم – لاَنَ شعره. وطريق الشعر هو طريق الفحول، مثل امرئ القيس، وزهير، والنابغة، من صفات الديار والرحل، والهجاء والمديح، والتشبيب بالنساء، وصفة الحمر والخيل والحروب والافتخار؛ فإذا أدخلته في باب الخير لاَنَ .»[10]
        يتبين من خلال هذا القول أن الأصمعي يميز بين مرحلتين في شعر حسان بن ثابت(ت54هـ): تمتد الأولى من الجاهلية وتصل إلى فتح مكة، وهو ما يقصده بقوله: « كان علا في الجاهلية والإسلام»؛ بينما تستغرق الثانية ما تبقى من حياته بعد فتح مكة، وهي مرحلة اتسمت بانتصار المسلمين، وانتشار الإسلام، كما تميزت بتوالي تسليم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرواحهم إلى باريها عز وجل، مما كان يتطلب من الشاعر رثاءهم، ويضطره إلى اجترار المعاني وتكرار الأساليب نفسها، وهي معاني وأساليب دينية في عمقها، وتتوخى ذكر مناقب المَرثي والثناء على صدق إيمانه، وحسن أخلاقه وعظيم نصرته للرسول والمسلمين.
        وقد أوقع اضطرار الشاعر إلى تكرار هاته المعاني والأوصاف في الاجترار والابتذال، فصارت بذلك قصائده مجرد نسخ مكررة للدلالات والأساليب والصور نفسها، مع تغيير بسيط في ذكر اسم الصحابي المرثي ونسبه، أما مادون ذلك، فلا فرق بين قصيدة وأخرى، ما دامت كلها تنطوي على معاني الخير والصلاح والتقوى...
        ولئن كنا نتبين ذلك بعودتنا إلى ديوان حسان بن ثابت، وخاصة مرثياته في الرسولr وصحابته(ض) التي هيمنت عليها الأحكام التقريرية والمعاني والأساليب القرآنية المباشرة، فإننا نلاحظ أن الأصمعي استند في حكمه السابق على موقف الشاعر ذاته حين نفى -بالمنطق نفسه- صفة الشاعرية عن عمرو بن العاص(ت 43هـ) بعد أن  أنشد شعره، حيث قال: « ما هو شاعر ولكنه عاقل»[11].
         لا تنحصر قيمة هذا الحكم في كونه ينفي صفة "الشاعرية" عن ابن العاص ويثبت محلها صفة "العقلانية"، بل تكمن أيضا في كونه يؤكد وضعهما التقابلي، وهو ما يبرز من طريقة انتظام دواله وانبنائها، والتي تقوم على النفي من جهة، والاستدراك والتأكيد من جهة أخرى «ما هو (…) ولكنه (…)»، مما يعني أن الشاعر ما ينبغي  له في شعره أن يكون عاقلا، لأن طريق الشعر غير طريق العقل، فالعاقل هو من «يحبس نفسه ويردها عن هواها»[12]، في حين أن الشاعر يهيم بالمعاني والأفكار على هواه. وهذا ما ينسجم مع قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم  الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) [الشعراء، 223-224]، بحيث إن كلمة "يهيمون" في الآية الكريمة «صفة من لا مسكة له ولا رجاحة معه، وهي مخالفة لصفات ذي الحلم الرزين والعقل الرصين»[13]، وتدل على أن القرآن الكريم أقر « للشعراء بعالم مستقل وميزهم بالانحياز إلى الخيال دون أن يسمي ذلك خيالا»[14].
        إن التمييز بين الشعراء الكفار والشعراء المؤمنين، أساسه الصلاح والتقوى. ولئن كانت آيات الشعراء تحكم على عالمهم من منطلق ديني، فإن الأصمعي ينطلق من المنطلق ذاته، ليبين أن الشاعر كلما التزم بـ"الخير" أو الصلاح إلا وخرج عن مهيع الشعر ودخل في محض التكلم، مؤكدا بذلك أن الشعر أواخر صدر الإسلام مثل مرحلة تراجع المعاني التخييلية القائمة على الانزياح في التصوير والتعبير، لصالح معاني دينية أساسها المباشرة والتقرير، فكان شعر الجاهلية  وبداية صدر الإسلام شعر "الشر" بلغة الأصمعي، أو التخييل بلغة المتأخرين من البلاغيين والنقاد، بينما كان شعر أواخر صدر الإسلام شعر الخير، أو الصدق والإيمان. والفرق بين الشعرين أن الأول ظل قائما على العصبية القبلية ومرسخا لمنطق الانتماء القبلي والعشائري في الجاهلية، أو منتصرا للدين الجديد ومناهضا لكل من يعاديه في بدايات ظهور الإسلام، وهو ما كان يميز مدائح الشعراء وأهاجيهم ويحكمها، ويدفعهم إلى ابتكار صور جديدة ومعاني مغايرة في تلك الفترة؛ بينما الثاني فقد تخلى عن جوهره التخييلي الذي يجعله دائم الخلق والابتكار، وكان يبعده عن التكرار والاجترار، فصارت كثير من قصائد المرحلة نسخا حرفيا للتجربة نفسها والمعاني ذاتها، وأصبحت قيمتها الفنية والجمالية تتحدد بمدى موافقتها للقيم الدينية والأخلاقية، بدل المعايير الفنية، ولذلك نلاحظ أن "الشعرية" تتحقق بمدى التزام الشاعر –خلقا وفنا- بتوجيهات العقيدة الجديدة؛ فأشعر الشعر «ما صور حقائق الإسلام والإيمان وعبر عن حسن الاعتقاد »[15]، وليس في هذا الأمر أي موقف عدائي من الشعر، ولكنه «يهدف إلى إقصاء القيم الجاهلية عنه وتكريس القيم الإسلامية فيه .»[16]
        من هذا المنطلق يبدو أن ظهور الصراع واحتدامه بين علي كرم الله وجهه ومعاوية (ض) سيخرج بالشعر والشعراء من التقيد الحرفي الدقيق بالمعاني الدينية، وسيدفعهم إلى الخوض في قضايا دنيوية تتصل بحياتهم الاجتماعية والسياسية، وهو ما سيعبر بالشعر من باب الخير ليدخله في باب الشر، خاصة بعد تفرق المسلمين إلى مذاهب وشيع مختلفة ومتباينة.
ولعل مما شجع على ذلك أن النزاع الذي اشتعل بين علي ومعاوية وشيعتهما أدى إلى إحياء المنافسة والصراع القديمين المتأججين بين عرب الشام الموالين للروم وعرب العراق الذين كانوا يحاربون في صفوف الفرس قبل الإسلام، كما أن مأساة الحسين وآل بيته قد ألهبت «عواطف المسلمين وضمائرهم، فهبوا من كل صقيع يستنكرون هذه المذبحة التي راح ضحيتها حفيد رسول الله r وشباب آل بيته (...) وتهافت الناس ينضوون تحت لواء آل البيت، ويتشيعون لهم، ويهددون بطلب ثأر الحسين، فتعاظم أمر حزب الشيعة، وازداد خطره، واكتسب أنصارا جددا، ممن كانوا يتخذون موقف الحياد من الأحزاب السياسية المتطاحنة، إلى جانب كثير من الموالي، وخاصة بالعراق، وعلى الأخص بالكوفة...»[17]  
وبالرغم من كون هاته الأحداث شكلت خطرا هدد وحدة الأمة الإسلامية بالانقسام والتصدع، إلا أنها انعكست إيجابا على الحياة الأدبية، فأسهمت في تطور الشعر العربي القديم بإرجاعها إياه إلى مهيعه، وتحويله إلى سلاح قوي لنشر الأفكار والمذاهب، والدفاع عن القناعات «فتوزع الشعراء على الأحزاب، وأخذوا ينظمون شعرهم معبرين عن نظريات سياسية جديدة، وأفكار ومبادئ موروثة ومستحدثة، فأثَّروا في الشعر العربي من هذه الناحية، تأثيرا كبيرا؛ إذ وجهوه ناحية الحزبية والنشاط السياسي.»[18]
        وليست غايتنا هنا النظر في طبيعة هذا الصراع والبحث في أسبابه الحقيقية للحسم بين الفرق المتصارعة، وتغليب موقف إحداها على الأخرى، فتلك أحداث صارت تاريخية، وكل انخراط متعصب في تناولها يجعل صاحبه خارج التاريخ، لكونه يسقط على الواقع الموضوعي أحداثا لا علاقة له بها، ولكن ما نسعى إليه هو الكشف عن درجات إسهام الصراعات السياسية والفكرية المعتملة في العصر الأموي في تطور الشعر المنتمي إليه.
2-  الحجاج الاستدلالي في الشعر الأموي:
الحجاج خطاب إقناعي يروم حمل متلقي عاقل على التسليم بصدقية رأي أو حكم ما، يكون إزاءهما في وضع المتردد في القبول والاقتناع، أو المعترض الرافض للتسليم والموافقة. ويتوسل الحجاج للبرهنة على موضوعه بتقديم الأدلة المثبتة أو النافية للآراء والأحكام المتصلة به، مستندا في ذلك على استراتيجية خاصة، يغير بها نظام المعتقدات والتصورات لدى المتلقي عن طريق الوسائل اللغوية[19].
وباعتباره وسيلة للإقناع وتغيير الأفكار والأحكام والمواقف، يتوسل الحجاج بآلية استدلالية تتفاوت بحسب الخطاب الموظف، والمتلقي المستهدف، فالحجاج في الفلسفة غيره في الخطابة والسياسة والإشهار والشعر، لأن كل واحد من هاته الخطابات يختلف في بنياته وآلياته، وهو ما يقتضي من الفيلسوف أن يحاجج بالاستدلال البرهاني، ومن الخطيب السياسي أن يحاجج بالإقناع الظني، ومن المستشهر أن يحاجج بالإيحاء الإيهامي، ومن الشاعر أن يحاجج بالتخييل[20]
ويلاحظ الباحث في تاريخ الشعر عند العرب أنه ظل قائما على الحجاج في أساليبه وموضوعاته وطرائق انتظام أجزاء القول فيه، وذلك لأنه لم يكن يوظف لغايات جمالية صرف، تحقق المتعة الفنية والنفسية فحسب، بل كان يستخدم أيضا لغايات وظيفية تنسجم مع الشروط التداولية التي كان يقتضيها القول، ولئن كانوا قد اعتبروا في هذا الإطار «الشعر ديوان العرب»[21]، فذلك لأن حياتهم في الجاهلية والإسلام اصطبغت بأيام وأحداث مشهورة وصراعات قوية واصطدامات عنيفة، وكان الشعر وسيلة من الوسائل التي يلجأ إليها العربي للدفاع عن كرامة قبيلته وشرف عشيرته وللرد على مطاعن الحاقدين والمنتقدين، وللتباهي بأيامها وشرف نسبها، كما كان في الإسلام سلاحا فعالا لمواجهة تشكيك المشككين وانتقاص المنتقصين، ولرد دعاوى الكفار الحاقدين، ولبيان صدق الرسولr وتأكيد أن القرآن الكريم كتاب الله المنزل وأن الإسلام دينه الخاتم لكل الرسالات السماوية.
وبالرغم من أن الشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام معا كان قائما على الحجاج والاستدلال، إلا أنه لم يصل إلى ماوصل إليه في العصر الأموي، لأن الصراع زمن حكم الأمويين لم يكن بين عشيرتين مختلفتين أو قبيلتين متباعدتين، كما لم يكن بين منظومتين عقديتين متباينتين (الكفر والإيمان)، بل كان محتدا داخل المنظومة ذاتها، ألا وهي الإسلام، بل وأحيانا داخل الاتجاه المذهبي ذاته، وكان المنضوون تحت لواء تلك المنظومة أو هذا الاتجاه يختلفون في تفسير بعض مقتضياتها وتأويلها، وذلك انطلاقا من مواقعهم السلطوية والرمزية وقناعاتهم المذهبية، فكان يؤدي ذلك إلى تفاوت الآراء والأحكام، فتتعدد الحجج والاستدلالات عند أصحاب الفرق والمذاهب المتباينة على صدقية آرائها وسلامة مواقفها وقوتها.
ومن المعلوم أن العصر الأموي كان عصر الصراع السياسي المحتد حول مسألة الحكم وطبيعته في الإسلام، وهو خلاف وإن كان قد ظهر أول ماظهر في الإسلام بعد وفاة الرسول r، إلا أنه حسم بسرعة في خطبة السقيفة، ولم يتخذ الأبعاد التي اتخذها بعد مقتل عثمان بن عفان (ض)، فقد اختلف المسلمون وتوزعوا إلى فرق ومذاهب: فكان للأمويين رأيهم في الخلافة، كما كان للشيعة والمرجئة والخوارج والزبيريين آراؤهم فيها، وقد مثلت تلك الآراء –بالرغم من تفاوتها وتباينها، بل وتهديدها للعرب والمسلمين ولمشروعهم الحضاري- فرصة كبيرة لتطوير الثقافة والفكر العربيين، وللرقي بتصورهم لطرق تدبير أمورهم الدنيوية، وحسم خلافاتهم السياسية.
هكذا نلاحظ أن الحكم في تصور الشيعة ينبغي أن يؤول لآل البيت العلوي، وهم بهذا يتفقون مع أبي حنيفة وأكثر المرجئة في أن الإمامة لاتجوز إلا في قريش لقول النبي (ص): « الإمامة في قريش»[22]، وقوله أيضا: « قدِّموا قريشا ولا تَقَدَّموها»[23]، إلا أنهم  يخالفون كل الفرق والمذاهب في الإمامة؛ إذ يرون أنها تكون بالنص وليس بالقرابة والوراثة، لأنها لو كانت بالقرابة لكان العباس عم النبي صاحب الحق وحده بعد النبي لأنه عمه، وعلي بن أبي طالب إبن العم، وهو محجوب الإرث في حالة وجود العم[24]
وحين نتابع شعر المرحلة، نلاحظ أنه انخرط في هذا النقاش المحتد بين الفرق الإسلامية، وأن الشعراء حولوا قصائدهم إلى "مقالات" تبرهن على صواب رأي الفريق الذي ينتمون إليه، فخرج كثير من ذلك الشعر عن طبيعته الفنية وجوهره التخييلي، فلم يعد يخاطب العاطفة والخيال، وإنما أصبح يخاطب العقل والفكر، وصار بدرجة اعتناء أصحابه بالحجج والأقيسة وإكثارهم منها، وبقوة استعانتهم بالنظر العقلي والاستدلال النقلي شبيها بخطب المتكلمين.    
     ويعد في هذا الإطار الكميت بن زيد الأسدي مثالا بارزا للشعر الذي ينشد إقناع الفكر قبل التأثير في النفس؛ ذلك أن قصائده لا تقوم على الإمتاع العاطفي فحسب، وإنما تعتمد أساسا الإقناع العقلي، ولم يكن يعبر بها وفيها عن شعوره فحسب، بل وعن أفكاره وقناعاته المذهبية أيضا، كما كان يحرص على تضمينها كل ما وصل إليه العقل العربي في هذا العصر من قدرة على الجدال والإقناع « والواقع أن ثقافة الكميت العقلية هي التي هدته إلى هذا الاتجاه، وهيأت له هذه السبيل، فقد كان على صلة وثيقة بالفكر المعتزلي، عن طريق علاقته الوطيدة بإمامة زيد بن علي، الذي كان حجة في مقولة المعتزلة- من ناحية- وصلته بواصل بن عطاء –رأس المعتزلة- من ناحية أخرى.»[25]
        وإذا كان الكميت اشتهر دون سائر الشعراء الشيعة بدفاعه عن آل البيت واحتجاجه على أحقيتهم بالخلافة باعتماد منهج عقلي يقوم على المحاججة والاستدلال البرهاني، فقد عرفت أشعاره بين الدارسين بـ"هاشميات الكميت"، وهي قصائد طوال كلها دفاع عن حق الهاشميين في الإمامة ضد الأمويين "غاصبي" هذا الحق، ويحقق الكميت هذا المضمون العام من خلال مختلف موضوعات القصيدة، في مدحه بني هاشم، أو في هجائه بني أمية، وكل المشككين في أحقية آل البيت بالخلافة .
    وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكميت لم يكن يقصد بمدحه آل البيت الهاشميين الثناء على خلقهم وفضلهم والإشادة بمناقبهم، كما لم يكن يروم من هجائه الأمويين وغيرهم ذكر مساوئهم وفضح عيوبهم وممارساتهم، ولكنه كان يتخذ من ذلك ذريعة لإثبات حق الأئمة الهاشميين في الإمامة، والبرهنة على أن بني أمية اغتصبوا هذا الحق منهم. ويعتبر بطريقته في إثبات ذلك: أول من فتح باب الجدل والتقرير والاحتجاج في الشعر العربي.
     ومن بين أشعاره التي يتجلى فيها التفكير العقلي في تأليف الأقيسة، واختيار المقدمات واستخلاص النتائج، والتي تعكس منهجه في الجدل والبرهنة قصيدته التي يستهلها بقوله[26]:
 طربت وما شوقا الى البيض أطربُ
ولا لعبًا منى أذو الشيب يلعبُ
        يلاحظ القارئ لهاته القصيدة، التي بلغت أبياتها المائة وأربعين بيتا[27]، مما يدل على نفس شعري طويل، أنها تعطي صورة واضحة عن الدرجة التي بلغها تأثر الشعر والشعراء -في العصر الأموي- بالحجاج والجدل، خاصة لدى الكميت بن زيد الأسدي، بحيث يبدو أننا أمام متكلم يجادل خصومه فيستعرض حججهم وادعاءاتهم، ويفحص كل واحدة منها، ويزنها بميزان العقل والمنطق، ثم يعرضها على أحكام الشرع لينظر في النهاية إن كانت مقنعة ومنسجمة مع ضوابط القرآن والسنة وأوامرهما، أم مناقضة لمقتضيات العقول وتوجيهات الله ورسوله.  
        ويكفي متابعة تحليل المقطع الشعري الذي اخترناه منها لتبين أننا أمام نحو جديد من الشعر لم يكن للعرب عهد به من قبل، في الأسلوبين الجدلي والحجاجي ودرجة تحققهما فيه، فبعد أن استهل الشاعر القصيدة بالتبرؤ من المقدمات الطللية والغزلية التي وسمت تاريخ الشعر العربي القديم منذ الجاهلية إلى صدر الإسلام، أكد أن فرحته العارمة وغبطته البادية عليه ليستا بسبب أثر دارس ذكره بحبيب مفتقد، بل بسبب حبه آل البيت الكرام الطاهرين وتعلقه بهم وبذكراهم، وهو ما عبر عنه بأسلوب الاستدراك في البيت الرابع «ولكن»، وهو أسلوب يضع حدا فاصلا بين موقفين وشعورين متمايزين: الأول لاهٍ وعابث، ولا يهمه من الدنيا غير الطرب والانتشاء بالملذات، دون اكتراث بأية قيمة أو موقف أو قضية وجودية أو دينية أو مذهبية؛ والثاني حريص على نصرة المظلومين والدفاع عن المضطهدين، ويرى في هذا الموقف الثاني التزاما بأوامر الله ورسوله، واقتداء بها.
        ولئن كانت الأبيات بعد الاستدراك تستغرق في الحديث عن حب آل البيت والافتخار بالتعلق بهم، والعمل على نصرتهم، فإن الشاعر لا يروم من ذلك التعبير عن مدى التزامه الديني والإرادي بحبهم، باعتبار أن حبهم هو في عمقه حب للرسول r، ولكنه ينشد أيضا التلميح إلى كرهه لكل من يكره آل البيت وينازع المسلمين في التعلق بهم، محولا بذلك تيمة الحب من طبيعتها العاطفية الخالصة إلى أداة للصراع السياسي، لأن الحب في تصوره ليس مجرد مشاعر انفعالية، ولكنه أيضا واجب ديني ومسؤولية أخلاقية تقتضي طاعة المحبوب –خاصة إذا كان من رهط النبي حسب عبارة البيت السادس- وعدم منازعة حقه الإلهي.
        وقد أراد الشاعر من خلال تأكيده على هذا البعد الرمزي للحب بيان أن كل من ينازع "آل البيت" حقهم في الخلافة هو خصم لهم، بل إنه ذهب بذلك إلى أبعد الحدود، بحيث اعتبرهم أعداء لهم، ومن ثمة أعداء لكل من يحبهم. وتستهدف هاته الاستراتيجية الخاصة التي تبناها الشاعر عزل خصوم "آل البيت" ووضع حد فاصل بينهم وبين المسلمين تمهيدا للانقلاب عليهم. ولذلك فاستنكاره الدعوة إلى كرههم، وتساؤله عن السند الديني المعتمد في مناهضة حبهم، إنما يروم بيان أن خصوم آل البيت يتبنون مقولات ومواقف مناقضة لأوامر الشرع، ومقتضيات العقل والمنطق، فهم كالأعمى يخبطون خبط عشواء، ويقلبون الحقائق عن جواهرها، فيرون العدل جورا والجور عدلا، ويكرهون من حبه ثابت وواجب بالكتاب والسنة، ويحبون في المقابل ويقربون من ينبغي كرهه وإبعاده، مما يبرز أن الأمور عندهم بعكس منطقها وضرورتها الدينية والعقلية، ويؤكد في النهاية أنهم يحرمون الحلال ويحللون الحرام، كما يتبدى في الأبيات التي يقول فيها:
فقل للذى في ظِلِّ عمياء جَوْنةٍ
يرى الجور عدلا أين لا أين تذهبُ
بأى كتــــاب أم بأية سُنًّةٍ
ترى حُبَّهُم عارًا عَليَّ وتـَحْسـَبُ
فطائفة ٌ قد أكفرتنـي بحبـكم
وطائفـة ٌ قالـوا مُسِـيءٌ ومُذنِبُ
فما ساءني تكفير هاتيك منهمُ
ولا عيب هاتيـك التي هي أعيبُ
يعيبونني من خبثهم وضلالهم
على حبكم بل يسخـرون وأعجبُ
     لقد كانت غاية الشاعر التي بنى عليها دعواه في هاته القصيدة البرهنة على عدم أحقية خصوم "آل البيت" بحكم المسلمين، وهي غاية لم يقتصر لتحقيقها على توظيف مقولة الحب فحسب، بل أردفها بالتساؤل عن طبيعة الحجج التي يستند إليها الأمويون في إمارتهم المسلمين، وفي هذا المستوى نلاحظ حضورا قويا وعميقا لأساليب الحجاج والجدل.
ذلك أنه قرر في البيت ستة وعشرين [26] القضية التي سيتناولها في قصيدته وسيقيم الأدلة والحجج على تأكيدها: ألا وهي اغتصاب الأمويين خاتم الخلافة من الهاشميين أصحابِه الحقيقيين، معتبرا أنه حدث يتناقض مع الشرع الديني والمنطق العقلي، ويتعارض مع الأمر الإلهي والمصلحة العامة. وقد ساق الشاعر في البيتين المواليين [27-28] الأدلة التي تؤكد أنه اغتصاب حقيقي غير مسبوق، باستناده إلى بعض الآيات القرآنية التي تدعو إلى تكريم أهل البيت وتقديمهم، وتبرهن -في تصوره وتصور الشيعة- على أحقيتهم بالخلافة، ومن بين أبرز الآيات التي يستدل بها للبرهنة على ذلك: الآية 23 من سورة الشورى، التي يقول فيها الحق تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، وهي الآية التي يلمح إليها بعبارة «آل حاميم»، بل إنه أكد أن الأمر الإلهي بمحبة آل البيت وتقديمهم لا يقتصر على هاته الآية الكريمة، وإنما يتعداه إلى آيات أخرى متعددة ومتوالية حث فيها الله تعالى على محبة آل البيت، وأمر المسلمين فيها بتقديمهم في أمورهم الدينية والدنيوية، وهو ما أشار إليه بقوله: «وفـي غيرهـا آياً وآياً تتابعـت»، ويقصد بتلك الآيات قوله تعالى: في سورة الإسراء آية 17: (وآت ذا القربى حقه)، وقوله جل جلاله في سورة الأحزاب آية 33: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهلَ البيت ويطهركم تطهيرا).
        إن الاستدلال بالقرآن الكريم هنا يروم توظيف حجة دينية للانتصار لرأيه ورأي فريقه في مسألة نظام الحكم في الإسلام، وشروط تولية أمور المسلمين، وقد انبنى استدلاله بخصوص هاته المسألة الخلافية على استراتيجية حجاجية دقيقة تمثلت في البداية أولا بالحجة الأقوى، ذات السند النصي، ثم الانتقال بعد ذلك إلى عرض حجج أخرى عقلية ومنطقية تؤكدها وتدعمها، وهو في هذا وذاك يروم بيان أن الآيات الكريمة تأمر بتمكين أهل البيت من حقهم، وتفضلهم بالإشادة بهم، وتقرر بذلك نظام التوريث في الإسلام، الذي يجعل الهاشميين أصحاب الحق في وراثة ولاية المسلمين عن الرسول r.
ويبدو أن الخطة الحجاجية التي تبناها في قصيدته جعلته ينتقل –بعد أن استعرض مساوئ مغتصبي خاتم الحكم وذكر بجورهم وضلالهم- إلى مناقشة وراثة الحكم، وهي مسألة هامة ارتكز عليها الأمويون في بيان أحقيتهم بالخلافة، وتأكيد أنهم الأجدر به، فقدم –استنادا إلى الاستراتيجية الحجاجية نفسها– أقوال خصومه وادعاءاتهم، ليفندها واحدا واحدا بعد ذلك، وهو ما يتضح من قوله:
وقالـوا ورثناهـا أبانا وأُمَّنـا
ومـاورَّثـَتـْهم ذاك أمٌّ ولا أبُ
يرون لهم حقاً على الناس واجباً
سِفاهاً وحـقُّ الهاشمييـن أوْجَبُ
ولكن مواريـث ابن آمنة الذي
به دان شرقـيٌّ لكـم ومَغـْرِبُ
فدىً لكم موروثاً أبي وأبو أبي
ونفسي ونفسي بَعْدُ بالنَّاس أطيبُ
يلاحظ هنا أن الكميت وبعد أن قدم رأي خصومه وقولهم الذي يستندون إليه في تنصيب خلفائهم، عمل على تفنيده بحجج تتنوع بين الديني والعقلي والتاريخي، بحيث يذكر أن زعمهم بأنهم ورثوها عن عثمان بن عفان (ض): « ورثناها أبانا » لا أساس له من الصحة، لكونه لم يثبت أي دليل على أن الصحابي الجليل أوصى بالخلافة لبني أمية، بل إن الشاعر ذهب أبعد من ذلك، إذ افترض أنه حتى ولو أوصى لهم بها، فتلك الوصية غير صحيحة ولا مقبولة، لأن الخلافة لا تورث عن عثمان، وإنما عن الرسول r صاحب الدعوة، والإمام الأول للمسلمين، فهو الذي تورث عنه، وآله الأقربون، وهم بنو هاشم، أولى بميراثه من غيرهم. 
ولئن كان الأسلوب الحجاجي للقصيدة يظهر بصورة جلية من خلال إيراد الشاعر قول الخصوم، ونفيه لدعواه، واستدراكه عليها ثم نقضه لها بعد ذلك (وقالوا...وما....ولكن)، فإنه يزداد وضوحا بفحصه لمسألة الوراثة ووقوفه عند ادعائهم بأن الرسولr لا يرث ولا يورث كما جاء في الحديث الشريف، بحيث يكشف زيف هذا الادعاء وتناقضه؛ لأن الأمر لو كان كذلك لكانت الخلافة حقا لجميع المسلمين ولم تكن قاصرة على قريش، ولطلبتها القبائل العربية المختلفة من عدنانية وقحطانية، بل لكان للأنصار الحظ الأوفر منها، فهم الذين آووا ونصروا...ولأن الأمر لم يكن موضوع خلاف بين كل القبائل العربية، ولا مجال تطاحن بين الأنصار والمهاجرين، فإنه ينهي قصيدته بنتيجة تثبت أن الخلافة ميراث بدليل اختصاص قريش بها، ومن حيث أن الأمر كذلك فيجب اتباع قانون الإسلام في التوريث الذي يجعلها حقا لأهل بيت الرسول المورّث؛ لأنهم أقرب الناس إليه، وهو ما يقتضي في النهاية استردادها من أيدي بني أمية الغاصبين لها دون سند ديني ولا عقلي، وإرجاعها إلى أهلها الجديرين بها بحسب الأمر الإلهي والوصية النبوية والمنطق العقلي.
إن هاته الروح الجدلية والخصائص الاستدلالية التي نلحظها لدى الكميت لا تقتصر على هاته القصيدة، كما لا تنحصر على شعره، بل تشمل كثيرا من شعر المرحلة، لأن العصر الأموي كان عصر خلاف مذهبي كبير وعاصف بين مختلف الفرق الكلامية واتجاهاتها المذهبية، ولعل مما سهل تسرب أساليب الحجاج والجدل إلى الشعر أن كثيرا من الشعراء كانوا منتمين لفرق كلامية، ومحتكين برؤوسها وأئمتها وخطبائها، ولئن كان هذا الاحتكاك قد أثر في كثير من الشعراء، فقد أثر في كثير من الأغراض الشعرية كذلك.
ولعل أهم الأغراض التي تأثرت إلى حد بعيد بروح الجدل والاستدلال التي عرفها العصر الأموي: النقائض، وقد يسر لها ذلك أنها نوع شعري يقوم في جوهره على الخلاف، ويستدعي التباين القائم بين طرفيه المتناظرين الاستعانة بالحجج العقلية والأدلة الفكرية، وذلك ليرد كل واحد منهما قول غريمه ويحل قوله بدله.
وبغض النظر عن الأسس الفنية للنقائض والعوامل الاجتماعية التي كانت وراء نشأتها[28]، يلاحظ أن ظهورها وتطورها كانا نتيجة انتشار شروط عقلية في العصر الأموي، بحيث أسهم نمو العقل العربي وتمرسه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة في المذاهب السياسية والعقدية والاجتهادات الفقهية وشؤون التشريع في تطورها؛ فأخذ الشعراء يتناظرون في حقائق القبائل ومفاخرها ومثالبها، وصار كل واحد منهم يدرس موضوع قصيدته دراسة دقيقة ويبحث في أدلته ليوثقها، وفي أدلة خصمه لينقضها دليلا دليلا، فصرنا كأننا أمام إزاء مناظرات شعرية، وهي مناظرات كانت تتخذ سوق المِرْبَدِ مسرحا لها، بحيث يذهب الشعراء هناك، ويـأتي إليهم الناس فيتحلَّقون من حولهم، ليروا من تكون له الغلبة على "خصمه" أو "خصومه"[29].
ومن النماذج الدالة على روح الجدل والاستدلال في شعر النقائض تلك المناقضة القصيرة التي جرت بين حكيم بن عياش الكَلَبي، والكميت بن زيد الأسدي، والتي تعكس جانبا من من آثار الجدل والمناظرة اللذين شاعا في مجالس المتكلمين في هذا العصر، فقد قال الشاعر حكيم:
ما سرَّني أن أمي من بني أسدٍ
وأن لي كلَّ يومٍ ألفَ دينار
وأن تحتـي عشرا من نسائهم
وأن ربِّي نجَّاني من النـارِ
      فرد عليه الكميت قائلا:
يا كلبُ مالَكَ أم من بني أسدٍ
معروفةٌ فاحترق يا كلبُ بالنارِ
لكن أمك من قومٍ شنئَتْ بهـم
قد قنَّعوك قناع الخِزْيِ والعارِ
       يلاحظ هنا أن الشاعر حكيم بن عياش يقيم قياسه الشعري في هاته النقيضة على رفض جملة مقدمات إذا كانت ستؤدي إلى نتيجة معينة، فهو يرفض أن يكون غنيا، وأن تملك أيمانه عدة نساء، بل ويقبل أن يحترق بنار جهنم ويحرم من دخول الجنة إذا كان شرط ذلك كله أن تكون أمه أسدية، تنقيصا منه من بني أسد قومِ الكميت، وإمعانا في احتقارهم واحتقار شاعرهم. إلا أن الكميت سينبري ناقضا معناه، بطريقة منطقية، وموضحا أن أمه أصلا ليست من بني أسد، وهو ما يترتب عليه هدم كل المقدمات التي بنى عليها الشاعر عياش قوله، ليبقي النتيجة التي سعى إلى تغييرها وإحلال أخرى بدلها، ألا وهي ألا ينجيه الله من النار، وأن يحترق بلظاها، ويحرم من طيب نساء بني أسد، بل وأن يعيش أيضا في فقر مدقع، ويقاسي ويلات الانتماء إلى قوم ذوي ضعة، كل حياتهم خزي وعار.
إن القارئ للنقائض في العصر الأموي يلاحظ أنها تأثرت إلى حد كبير بثقافة العصر، فكانت عبارة عن حوار معقد يتتبع فيه الشاعر الناقض دعاوى الشاعر المنقوض، فيعمل فيها نقضا وهدما، في جهد عقلي غير يسير، ولذلك ذهب كثير من الباحثين إلى القول إن جريرا والفرزدق والأخطل كانوا متأثرين في النقائض -أسلوبا وطرائق- بالمناظرات الدينية والعقلية والفقهية والكلامية في هذا العصر، وهو مايبرز أنها لا تعدو أن تكون صدى لتلك المناظرات التي مست الحياة العقلية والدينية[30].
بيد أن تأثر الشعر الأموي بخطاب المناظرة وأساليب الحجاج العقلي والقياس الخطابي وغير ذلك لا يعني أنه صار كله شعرا عقليا يقدم الفكرة على الصورة والموقف على الرؤية، فقد ظل منفتحا على مختلف التحولات الثقافية والفكرية والعلمية التي يشهدها العصر، ومتفاعلا مع الخطابات الجديدة السائدة في البيئات المعرفية المختلفة.
3-  الإلغاز والترميز في الشعر الأموي:
يبدو أن بعض مبادئ الفرق الكلامية والمذاهب السياسية قد تسربت إلى الشعر الأموي، فوجهته وجهة جديدة غير مسبوقة في تاريخه، فقد ظهر -نتيجة بطش الأمويين بعد أن آلت أمور الحكم إليهم- شعر الإلغاز والترميز، وهو شعر يعبر فيه الشاعر عن مواقفه وآرائه بصورة غير مباشرة، معتمدا أسلوب الكناية والإيحاء، ويمثل كثير عزة نموذجا في هذا الإطار، لأنه حول "عزة" إلى رمز، فكان يضفي عليها كثيرا من صفات الطهر والسمو الروحي والخلقي، بينما كان يقصد بذلك في الواقع آل البيت.
ولعل هذا المنحى الشعري الجديد هو ما أدى إلى ظهور "المديح الهجائي"، وهو نوع من الشعر يعبر فيه الشاعر عن عكس مايؤمن به، ويضمنه عبارات وصور تقرأ في ظاهرها بمعنى، بينما تشير إلى نقيضه في باطنها، ومن النماذج الدالة على ذلك شعر عبيد بن قيس الرقيات(ت 85هـ)، وهو شاعر كان يتشيع لابن الزبير ويعادي بني أمية، ولما مات مصعب بن الزبير هام على وجهه، فظل مختفيا من بني أمية عاما، فمدح عبد الملك بن مروان متلمسا منه العفو، بشعر متكلَّف يقول فيه[31]:
ما نقموا من بني أميةَ إلا
أنهم يَحْلُمـون إن غَضِبـُوا
وأنهم سـادةُ الملوكِ فـلا
تصْلحُ إلا عليهـمُ العـربُ
إن الأغرَّ الذي أبوه أبو ال
عاصي عليهِ الوقارُ والحُجُبُ
يعتدلُ التَّـاجُ فوق مفرِقهِ
علـى جبينٍ كأنـه الذَّهَـبُ
خليفـةُ اللهِ فـي رعيتـه
جفَّتْ بذاك الأقـلامُ والكُتُبُ
فالقارئ لهذا الشعر يعتقد أن صاحبه قد مدح الأمويين به، إلا أن المتمعن فيه يستنتج أنه هجاهم به، لكونه جعلهم ملوكا، بل عدهم سادة الملوك، والملك بدعة تتعارض مع نظام الحكم في الإسلام، لأن الله جهله شورى بين المسلمين، ولأن لا أحد من خلفاء الرسول r ورث الخلافة لأحد ابنائه؛ كما أن الشاعر ألمح إلى جبروت بني أمية وشدة سطوتهم وتسلطهم، وذلك حين أكد أن العرب لاتصلح إلا على أيديهم، وهو ما يعني أن العرب لا يحكمها إلا طاغية، و فضلا عن هذا وذاك أشار إلى لم يستند إلى الشرع أو الشورى بين المسلمين، بل قام على البطش والحيلة والقهر، وهو ما يتجسد من خلال تأييد حقهم بالحكم بالقضاء والقدر، وهي مقولة تشير في الإسلام أحيانا إلى الابتلاء .
ومما يبين أيضا أن أغلب الشعر الذي قيل في الأمويين كان متصنعا ومتكلفا، بل وكان يقصد به أصحابه عكس ما هو ظاهر في لفظه ما يروى عن محمد بن علي الطالبي حيث قال لأيمن بن خريم: « تزعم أنك من شيعتنا ، وتمدح آل مروان؟ فقال: إنما أسخر منهم ، فأجعلهم حيات وعقارب، وآخذ أموالهم.»[32]
وفي السياق نفسه لام أبو جعفر محمد بن علي العلوي كثير عزة لمدحه بني أمية، فأكد له أنه لم يفعل ذلك إلا طمعا في جوائزهم، إذ قال: « لم أقل يا إمام الهدى، إنما قلت: ياشجاع، والشجاع حية، ويا أسد، والأسد كلبٌ، ويا غيث، والغيث موات، فتبسم أبو جعفر.»[33]
تدل هاته النصوص وكثير غيرها على أن تحول الشعر في العصر الأموي وتطوره لم يقتصر على مستوى بنياته وأساليبه، بل شمل أيضا أغراضه التي عرفت تحولا كبيرا، جعلها تخرج عن الإطار العام الذي كان يحكمها، ويتطلب من أصحابها وضوح الموقف ورسوخ الفكرة، فلم يكن يجد الشعراء الجاهليين ولا الإسلاميين سببا لمدح من يكرهون، والتعبير عن عكس ما يؤمنون به، فالشعور بوحدة الانتماء والحرص على الدفاع عن هاته الوحدة سواء في حضيرة القبيلة عند الجاهليين، أو في أحضان المعتقد الديني عند الجاهليين والمسلمين كل ذلك كان يمنع من قول الشعر رغبة أو رهبة. أما وقد بسط الأمويون سلطانهم على البلاد والعباد، وقويت شوكتهم، فقد صار لزاما على الشعراء الذين يناهضونهم، أو على الأقل لا يتفقون معهم ولا يخلصون لهم النية أن يبتكروا وسيلة دفاعية تحافظ على قناعاتهم وتضمن سلامتهم، وتوهم في الوقت ذاته خصومهم بولائهم إليهم، وفي هذا الإطار تبلور نوع شعري جديد عرف تحت إسم المدح الذي يراد به الهجاء، وهو نوع سينتشر بكثرة خلال العصر العباسي، خاصة مع المتنبي في "مدائحه" لكافور.
إن التحولات الأسلوبية والدلالية التي عرفها الشعر الأموي ستساهم إلى حد بعيد في بلورة وعي نقدي بالقيم الجمالية والخصائص الفنية للشعر العربي، فأمام هيمنة أساليب الحجاج والاستدلال، وغلبة القيم الدينية والاقتباسات القرآنية والحديثية في الشعر تساءل بعض اللغويين والمتأدبين حول ماهية الشعر، وانشغلوا بالبحث عن الفروق المائزة بينه وبين النظم، وهو ما مثل أول محاولة لصياغة مفهومي للشعر. فقد لاحظ حماد الراوية أن شعر الكميت يتسم بهيمنة اللغة المباشرة والتقريرية، والأساليب العقلية، وأن اللغة الإيحائية والأساليب التخييلية تكاد تنعدم فيه، فاعتبر أن شعره إنما هو خطب، وذلك في قوله: « إنما شعرك خطب.»[34]، كما سجل الفرزدق الملاحظة نفسها فرض الاعتراف له بالشاعرية، واعتبره مجرد خطيب، بحيث قال له: «أنت خطيب»[35].
ومن خلال تأمل هذين الحكمين يلاحظ أن الرعيل الأول من الشعراء والأدباء كانوا يضعون حدودا فاصلة بين الشعر وغيره من مستويات الخطاب، كما أنهم كانوا يميزون بين الشعر باعتباره خطابا فنيا قوامه الإيحاء، والخطابة باعتبارها خطابا مباشرا ينهض على الإقناع. ولئن كان التحول البارز الذي عرفته القصيدة عند الكميت بن زيد قد نبههم إلى ضرورة الفصل بين الشعر وما ليس شعرا، فقد عَجَّل طغيان المقومات الدينية والاقتباسات القرآنية في الشعر خلال هاته الفترة في التفكير في وضع تصور مفهومي للشعر، ولعل من النماذج الدالة على ذلك الحكاية التي جرت بين عبيد بن حصين المعروف ب الشاعر الراعي والخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فقد أنشده قصيدة لم ترق له بعض أبياتها، ليس بسبب انطوائها على مدح يراد به هجاء، أو تضمنها لسقطات عروضية أو أخطاء تعبيرية، بل لأنه تخلى فيها عن لغة الإيحاء والتمثيل، فاقتصر على المباشرة والتقريرية، ذلك أنه لما بلغ قوله:
ياخليفة الرحمن إنا معشر
حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا
حق الزكاة منزلا تنزيـلا
قال له ابن مروان بلغة لا تخلو من احتجاج: « ليس هذا شعرا، هذا شرح إسلام وقراءة آية.»[36]   

يبدو من خلال تأمل هاته الشواهد الأخيرة أن تفاعل القصيدة الأموية وانخراطها في الأحداث والصرعات المعتملة في الواقع، لم يؤد إلى ظهور تحولات كبيرة في موضوعاتها، بل وفي أساليبها وبنياتها أيضا، وهو ما أنتج شعرا تحضر فيه العناصر الشكلية، وتغيب عنه المقومات الجمالية المعروفة والمتفق عليها، الأمر الذي سيدفع الشعراء والرواة والمتأدبين إلى التفكير في وضع تصور مفهومي للشعر يميزه عن غيره من الخطابات التي يحضر فيها الوزن والقافية ويغيب عنها الأساس التخييلي.
ولئن كان المتابع لحركة الأدب والنقد يلاحظ أن ظاهرة الكلام المنظوم ستنتشر كثيرا بعد العصر الأموي، فإنه يسجل أيضا أن الفضل الأول في التفكير في الحدود الفاصلة بين الشعر والخطابة والنظم يعود إلى الملاحظات التي سطرها عبد الملك بن مروان والفرزدق وحماد الراوية، ويتأكد من ثمة أن الشعر الأموي لم يسهم في تطور الشعر العربي فحسب، بل أسهم أيضا في تشكل الفكر النقدي والبلاغي ونضجه أيضا.

خاتمة:
سعى البحث الراهن إلى متابعة أهم التحولات الجمالية والأسلوبية التي وسمت الشعر الأموي وميزته عن غيره من شعر العصور الأخرى، فأبرز أن الصراع المذهبي المحتد بين الفرق الإسلامية حول مسألة الحكم كانت لها نتائج إيجابية على حياة الشعر ومسيرته، فبالرغم من حالة الاحتقان التي خلقها بين تلك الفرق، إلا أنه أدى إلى ظهور "الشعر السياسي" وهو شعر لم يكن للعرب عهد به من قبل، وقد أسهم هذا الضرب من الشعر في تحويل الشعر من طابعه التخييلي القائم على العاطفة والهيام إلى طابع إقناعي يقوم على السجال والمناظرة والحجاج، الأمر الذي أثرى الأساليب البلاغية في الشعر التي لم تعد تتوقف عند المشابهات، بل أصبحت توظف البرهنة والقياس بدرجة أكبر، فكان ذلك مدخلا لطرح سؤال ماهية الشعر، وللتفكير لاحقا في وضع ضوابط دقيقة للفصل بين الخطاب الإقناعي- العقلي، والخطاب التخييلي- العاطفي.
كما أوضح البحث أن انتشار الحجاج والجدل بين الفقهاء والمتكلمين خلال هاته اللحظة أسهم في ظهور شعر النقائض وانتشاره في بين الشام والعراق، فتحولت قصائد هذا النوع الشعري إلى مناظرات بين الشعراء تجرى أمام الملأ، وتترك الحكم لهم بغلبة شاعر لغريمه، وهو أمر حرر القصيدة من طابع التقريرية والمباشرة التي أغرقها فيها الشعر الدعوي الذي انتشر في صدر الإسلام، كما أن الصراعات المذهبية المحتدة في المرحلة هدت الشعراء إلى ابتكار أسلوب الإلغاز والترميز، وهو أسلوب انتشر بشكل كبير في شعر المرحلة، وخلق حالة توازن نفسي للشعراء بين مطالب الأمراء والحكام بالتعبير عن مواقف وآراء تتناقض مع مواقفهم الخاصة وقناعاتهم الشخصية، فكان اللجوء إلى الترميز والتعمية والإلغاز في الشعر وسيلة لإرضاء رغبات أولئك الحكام والأمراء وإيهامهم بالتعبير عن المعاني والمواقف التي يطالبون بها، وللوفاء لقناعاتهم الشخصية والانتصار لمواقفهم وآرائهم الخاصة.
ويبدو أن أبرز هاته التحولات التي عرفها الشعر الأموي ستجد تربة أكثر خصوبة في المرحلة اللاحقة مع الشعراء العباسيين، خاصة في ظل ظهور الفلسفة واحتدام الجدل حول كثير من القضايا المذهبية والفكرية، الأمر الذي سيؤدي إلى بروز اتجاهات شعرية ستتحول معها هاته العناصر التجديدية من مستوى كونها ظاهرة أسلوبية لتصبح قضية أدبية لاتجاه جمالي وفكري لدى الكثير من الشعراء العباسيين، وهو ما يعني أن كل محاولة لدراسة هذا الاتجاه دون ربطه بالإرهاصات الأولية والملامح المبكرة التي ظهرت في الشعر الأموي يظل قاصرا عن فهمها بدقة ومقاربتها بعمق.





















الملحــق
طربت وما شوقا الى البيض أطربُ
ولا لعبًا منى أذو الشيب يلعبُ
ولم يلهنـى دارٌ ولا رسـم منـزلٍ
ولم يتطربنى بنانٌ مخضبُ
ولا أنا ممـن يزجـر الطير هَمَّهُ
أصاح غرابٌ أم تعَرَّضَ ثعلبُ
ولكن ألى أهـل الفضائـل والنُّهى
وخير بنى حواء والخير يطلبُ
الى النفـر البيـض الذين بـِحُبِّهم
الى الله فيما نابنى أتقرَّبُ
بنى هاشـم رهـط النبى فإننـى 
بهم ولهم أرضى مرارًا وأغضبُ
خفضت لهـم منـي جَناحَ مَوَدَّتي
إلى كـَنـَفٍ عطفاه أهلٌ ومرحبُ
وكنت لهـم مـن هـؤلاء وهؤلا
مِجَنـًّا على أني أذم وأقصبُ
وأُرمـى وأرمي بالعـداوه أهلهـا
وإنى لأُوذى فيهم وأؤنبُ
فما ساءنـي قــول ذى عـداوةٍ
بعوراء فيهم يجتدينى فأجدبُ
فقل للـذى في ظِلِّ عمياء جَوْنـةٍ
يرى الجور عدلا أين لا أين تذهبُ
بأى كتــاب أم بأيــة سُنًّــةٍ
ترى حُبَّهُم عارًا عَليَّ وتـَحْسـَبُ
أأسلــم ماتأتى به من عــداوةٍ
وبُغْض ٍ لهم لا جَيْرَ بل هو أشْجَبُ
فمــا لي الا آل أحْمَدَ شيعــةٌ
وما لي إلا مَشْعَبُ الحق مشعبُ
ومن غيرهم أرضـى لنفسيَ شيعةً
ومن بعدهم لا من أُجـِلُّ وأرْحَبُ
أُريب رجالاً مـِنهُمُ  وتـُريبُنـي
خلائقُ مما أحدثوا هُنَّ أرْيَبُ
إليكـم ذوي آل النبـى تطلعـت
نوازعُ من قلبى ظِمَاءٌ وألـْبـُبُ
فإنـي عن الأمـر الذي تكرهونه
بقولي وفعلي ما استطعت لأُجنبُ
يشيـرون بالأيـدي إليَّ وقولـُهُمْ
ألا خاب هذا والمُشيرون أخيبُ
فطائفـة ٌ قـد أكفرتنــي بحبكـم
وطائفة ٌ قالوا مُسِيءٌ ومُذنِبُ
فما ساءنــي تكفيـر هاتيك منهمُ
ولا عيب هاتيك التي هي أعيبُ
يعيبوننـي من خبثهــم وضلالهم
على حبكم بل يسخرون وأعجبُ
وقالوا ترابــيٌّ هــواه ورأيـه
بذلك  أُدعى فيهمُ  وأُلـَقـَّبُ
فلا زلت فيهمُ حيث يتهمونني
ولا زلت في أشياعهم أَتقلَّبُ
وأَحمل أحقاد الأقارب فيكم
ويُنصب لي في الأبعدين فأنْصَب
بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم
فلم أَر غصباً مثله يُتغصَّبُ
وجدنا لكم في آل حاميم آيةً
تأَوَّلها مِنَّا تقيٌّ ومُعرِبُ
بحقكم أمست قريشُ تقودنا
وبالفـَذ ِّ منها والرديفين نُرْكـَبُ
إذا اتـَّضَعُونا كارهين لِبَيْعَةٍ
أناخوا لأُخرى والأزِمَّة ُ تـُجْذ َبُ
رِدافاً علينا لم يُسِيموا رَعِيَّةً
وهمُّهموا أن يَمْتـَرُوها فيَحْلِبوا
لينتتجوها فتنة ً بعد فتنةٍ
 فيفتصلوا أفلاءها ثم يَرْكبوا
لنا قائدٌ منهم عنيفٌ وسائقٌ
يُقـَحِّمنا تلك الجراثيم مُتعِبُ
وقالوا ورثناها أبانا وأُمَّنا 
وماورَّثـَتـْهم ذاك أمٌّ ولا أبُ
يرون لهم حقاً على الناس واجباً
سِفاهاً وحقُّ الهاشميين أوْجَبُ
ولكن مواريث ابن آمنة الذي
به دان شرقيٌّ لكم ومَغـْرِبُ
فدىً لكم موروثاً أبي وأبو أبي
ونفسي ونفسي بَعْدُ بالنَّاس أطيبُ
بك اجتمعت أنسابنا بعد فـُرْقـَةٍ
فنحن بنو الإسلام نُدعى ونُنسبُ
حياتـُكَ كانت مَجْدَنا وسَناءَنا
وموتك جدع ٌ للعَرَانِين مُوعِبُ
وأنت أمينُ الله في النَّاس كـُلـِّهـِمْ
علينا وفيها اختار شرقٌ ومَغْرِبُ
ونستخلف الأموات غيرك كلهم
ونُعْتِبُ لو كنا على الحق نُعْتِبُ
فبُوركت مولوداً وبُوركت ناشئاً
وبُوركت عند الشَّيْبِ إذ أنت أشيبُ
وبُورك قبرٌ أنت فيه وبُوركـَت
به وله أهلٌ لذلك يثربُ
لقد غيَّبوا بـِرًّا وصدقاً ونائلاً
عشية واراك الصفيح المُنصَّبُ
يقولون لم يورث ولولا تراثه 
لقد شركت فيه بُكيلٌ وأرحبُ
ولا كانت الأنصار فيها أدلَّةً
ولاغُيَّباً عنها إذا الناس غُيَّبُ
هم شهدوا بدراً وخيبر بعدها
ويوم حنينٍ والدماء تصببُ
فإن هي لم تصلح لقومٍ سواهمُ
فإن ذوي القربى أحق وأوجب ُ
فيالك أمراً قد أُشتت أموره
ودنيا أرى أسبابها تتقضبُ








لائحة المصادر والمراجع


1-                  الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني،  شرح وكتب هوامشه: ذ. سمير جابر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1986.
2-                  الأدب الإسلامي المفهوم والقضية: د. علي علي صبح وآخرون، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992.
3-                  أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد: الشريف المرتضى ، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب العربي، بيروت، ط2، 1967.
4-                  تاريخ النقد الأدبي عند العرب: د. إحسان عباس ، نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري، دار الشروق،  عمان، ط1، 1993.
5-                  اتجاهات الشعر في العصر الأموي: د. صلاح الدين الهادي ، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1986.
6-                  التفكير النقدي عند العرب: د. عيسى العاكوب ، مدخل إلى نظرية الأدب العربي ، دار الفكر المعاصر، بيروت ،ط1، 1997.
7-                  تلخيص البيان في مجازات القرآن: الشريف الرضى، تح: محمد عبد الغني حسن، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1955.
8-                  "الحجاج والتخييل": يوسف الإدريسي، مجلة فكر ونقد، المغرب، ع 100، يناير 2009.
9-                  الديوان: الكميت بن زيد الأسدي ، جمع وشرح وتحقيق: د.محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 2000.
10-             الديوان الكامل: جرير، تح: محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، الشركة اللبنانية للكتاب، بيروت، د.ت.
11-             الديوان: جميل بثينة ، شرح وتق: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987.
12-             الديوان: عمر بن أبي ربيعة، دار صادر، بيروت، د.ت.
13-             طبقات فحول الشعراء: ابن سلام الجمحي، قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، د.ت.
14-             العصر الإسلامي: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط7.
15-             العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: أبو علي الحسن ابن رشيق، دار الجيل، بيروت، ط4، 1972.
16-             فحولة الشعراء: الأصمعي عبد الملك بن قريب، تح: تشارلس توري، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط2، 1980.
17-             لسان العرب :أبو الفضل جمال الدين بن منظور، دار صادر، بيروت، لبنان، د.ت.
18-             الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر :المرزباني، تح: علي محمد علي البجاوي،  دار الفكر العربي، د.ت.
19-             نظرية الحجاج في اللغة: شكري المبخوت، ضمن: أهم  نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، إشراف حمادي صمود، كلية الآداب، منوبة، تونس، مجلد 93، 1998.
20-             نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي: عبد العزيز جسوس، تنيمل، مراكش، ط1، 1995.






















[1] أنظر ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، جدة، 1/135، ابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، دار الجيل، بيروت، ط4، 1972.
[2] أنظر د. شوقي ضيف: العصر الإسلامي، دار المعارف، القاهرة، ط7 ، ص68- 76.
  نفسه، ص176-177.[3]
[4] أبو فرج الأصفهاني: الأغاني،  شرح وكتب هوامشه: ذ. سمير جابر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1986، 5/281.
[5] جميل بثينة: الديوان، شرح وتقديم: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،1987، ص47-48.
[6] عمر بن أبي ربيعة: الديوان، دار صادر، بيروت، د.ت، ص183.
[7] جرير: الديوان الكامل، تح: محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، الشركة اللبنانية للكتاب، بيروت، د.ت،ص355-356.
[8] الكميت بن زيد الأسدي: الديوان، جمع وشرح وتحقيق: د.محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 2000، ص 599.
[9]  أنظر د. علي علي صبح وآخرون: الأدب الإسلامي المفهوم والقضية، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992.
[10] المرزباني: الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر، تح: علي محمد علي البجاوي،  دار الفكر العربي، د.ت، ص 79.
[11]  الأصمعي: فحولة الشعراء، تح: تشارلس توري، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط2، 1980، ص 19.
[12]  ابن منظور: لسان العرب، مادة العقل.
[13] الشريف الرضى: تلخيص البيان في مجازات القرآن، تح: محمد عبد الغني حسن، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1955، ص 194.
[14] د. إحسان عباس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري، دار الشروق،  عمان، ط1، 1993، ص 23.
[15] د. عيسى العاكوب: التفكير النقدي عند العرب، مدخل إلى نظرية الأدب العربي ، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1997، ص54.
[16] عبد العزيز جسوس: نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي، تنيمل، مراكش، ط1، 1995، ص47.
[17] د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1986، ص27.
[18] نفسه، ص 31.
[19] شكري المبخوت: نظرية الحجاج في اللغة، ضمن: أهم  نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، إشراف حمادي صمود، كلية الآداب، منوبة، تونس، مجلد 93، 1998، ص 59.
[20] يوسف الإدريسي: "الحجاج والتخييل"، مجلة فكر ونقد، المغرب، ع 100، يناير 2009، ص83-84.
[21] أنظر ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، 1/ 24.
[22] عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، طبعة المعارف، د.ت، نقلا عن د.صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 36.
[23] نفسه.
[24] نفسه.
[25] د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص92.
[26] أنظر جزءا منها في الملحق بآخر المطبوع.
[27]  الكميت بن زيد الأسدي: الديوان، ص 512-553.
[28] أنظر د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 273-280.
[29] د.شوقي ضيف: العصر الإسلامي، ص 242.
[30]  أنظر د.شوقي ضيف: العصر الإسلامي، ص 245-246، د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 333-334.
[31] د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 83.
[32]  المرزباني: الموشح، ص 144، نقلا عن د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 84.
[33] أمالي المرتضى، 1/287، نقلا عن د. صلاح الدين الهادي: اتجاهات الشعر في العصر الأموي، ص 86.
[34] الموشح: المرزباني، 308.
[35] الشريف المرتضى: أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب العربي، بيروت، ط2، 1967، 1/59-60.
[36]  المرزباني: الموشح، ص 210.













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق