الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

ثنائية الخطأ والصواب في التراث النقدي والفلسفي عند العرب



ثنائية الخطأ والصواب في التراث النقدي والفلسفي عند العرب
د. يوسف الإدريسـي - المغرب
« لكل كلام وجه وتأويل، ومن التمس عيبا وجده.»
                                                                                 ابن رشيق، العمدة.

مقدمـة :
"الخطأ" فعل يرتكب أو موقف يتخذ، يكون منحرفا –ضمن الشروط التاريخية والمعرفية التي أنتج فيها- عن ضوابط وأعراف و"حقائق" متفق عليها؛ بينما الصواب هو فعل يتوافق مع ما "أجمع" عليه أوأكدته التجارب العينية وزكته المعتقدات الدينية والمذهبية والقوانين الوضعية. بيد أنه ما إن تتحول تلك الشروط وتتغير إلا وتتبدل معها التقويمات وتختلف الأحكام، فيصبح ما اعتبر خطأ صوابا، وما اعتبر صوابا خطأ، وقد تتسع دائرة الخطأ لتشمل ما كان يعتبر صوابا، فيقدم معطى أو اكتشاف ما على أنه تصويب وتصحيح لأفكار وأحكام ونتائج كان يعتد بها من قبل .

ولئن كان الأمر كذلك، فمن الواضح أن الخطأ والصواب ممارستان إنسانيتان تعبران عن وعي ومقصدية واضحتين ومحكومتين بإطار زمني وأساس معرفي دقيق وحدود، فمثلما لا يمكن إدراك الخطأ إلا في علاقته بالصواب، كذلك لا يمكن الحكم بـ"صدقية " أمر ما و"صوابه" إلا ضمن الشروط التاريخية والسياقات المعرفية التي تنتج ضمنها أحكام التخطيء والتصويب.      
ولعل في قراءة مفهوم القطيعة الإبستمولوجية كما بلورها غاستون باشلار، واشتغل عليها لوي ألتوسير، وميشيل فوكو، ما يؤكد أن تاريخ العلم هو تاريخ أخطاء يتم تصويبها وتجاوزها، وأن المعرفة البشرية ما كان لها أن تتقدم دون أن تدرك أخطاءها وتسعى جاهدة إلى تصويبها[1].
بيد أن تاريخ العلوم والمعارف لم يكن موسوما دائما بتصحيح للأخطاء وتجاوز لها نحو الصواب، بل كان أحيانا مطبوعا بلحظات يصوب فيها الخطأ ويخطأ الصواب، وهي لحظات كانت تمثل فيها الصراعات المذهبية والعقدية واختلاف الأذواق الجمالية والمرجعيات النظرية أساسا للتفكير ومنطلقا للحكم على الأشياء والموضوعات. 
ويكفي العودة إلى التراث اللغوي والنقدي عند العرب للوقوف على ذلك، فقد خطئ الكثير من الشعراء واللغويين والمتكلمين والبلاغيين والنقاد في صيغ تعبيرية ورؤى فنية وتصورات نظرية سيتضح لاحقا أنها متأصلة في الموروث البياني عند العرب، ومنسجمة مع المنظومة الدينية، بل ومتوافقة مع كثير من خلاصات العلم الحديث ونتائجه.
إن أهمية الوقوف عند التراث العربي الإسلامي تتأتى من كونه يعطي صورة واضحة عن مدى ملازمة "ثنائية الخطأ والصواب" لحقوله المعرفية واتجاهاته العلمية، بل إننا نزعم هنا أن من أبرز عوامل نضج العقل العربي الإسلامي وتطوره انشغاله بأمري الخطأ والخطيئة وانكبابه على التفكير في الحدود الدقيقة الفاصلة بينهما، فكان الوقوع في خطأ يغضب الله ورسوله هاجسا يحكم المسلمين ويقض مضجعهم، إلى درجة صار أمرا راسخا في وعيهم - ولا وعيهم أيضا- نتيجة تكرارهم في صلواتهم الخمس سورة الفاتحة التي تستهل بها علاقة التواصل الروحاني بين الله وعبده، فيتم فيها التعوذ من الوقوع في الضلال والخروج عن مهيع الحق وطريق الصواب.
ولعل مما يؤكد قولنا إن العقل العربي الإسلامي قد تطور نتيجة انشغاله بالتفكير في سؤالي الخطأ والخطيئة ظهور قضية مرتكب الكبيرة، واختلاف آراء الفرق السياسية الإسلامية حولها بين مكفر ومخطئ له، ومقر بإيمانه، ثم مرجىء أمره إلى الله، وهو الاختلاف الذي أثمر اتجاها آخر مع المعتزلة الذين ينفون التكفير ولا يقرون بالإيمان، بل يقترحون وضعية جديدة بين الإيمان والكفر سموها: "المنزلة بين المنزلتين" [2] .  
إن من شأن البحث في هاته اللحظة التاريخية والمعرفية من تبلور الفكر العربي الإسلامي أن يجلي الكثير من الحقائق عن طبيعة المواقف المذهبية والآراء الفكرية التي طبعت مختلف العلوم العربية القديمة واتجاهاتها، خاصة وأن أصحابها ظلوا يصدرون في ما يعبرون عنه من أفكار وتصورات عن قناعاتهم الفكرية وآرائهم الكلامية، فقد كان الكثير من اللغويين والنقاد والبلاغيين والمفسرين من أرباب علم الكلام وزعمائه، وظلت اجتهاداتهم في مجالاتهم العلمية تنطلق من قناعاتهم المذهبية، وحتى أولئك الذين لم يصدروا عن قناعات ومواقف كلامية كانوا مضطرين إلى مناقشة قضايا ذات أصول كلامية أو مغلفة بها، مما جعلهم محكومين –بشكل غير مباشر- بالهاجس نفسه الذي حكم السابقين ألا وهو: التفكير في أمر الخطأ والصواب وبيان الحدود الفاصلة بينهما.
وليست غايتنا هنا البحث في التراث العربي الإسلامي لبيان تلازم ثنائية الخطأ والصواب فيه، وإبراز مدى تأثير "هاجس الخطأ" في لاوعي علمائه، ولكننا نروم الاقتصار على جوانب منه تتعلق بنقد الشعر سواء عند اللغويين أو المتكلمين أو النقاد والبلاغيين، متسائلين في ذلك: كيف تبلورت ثنائية "الخطأ والصواب" في النقد القديم؟ ومتى تم ذلك؟ وما مظاهرها في التفكير العربي القديم؟ وهل مكن تتبع الأخطاء اللغوية والجمالية التي يقع فيها الشعراء -أو النقاد حين يقومون عملا شعريا ما- من تبلور وعي بنسبية المعرفة أم أنهم كانوا يصدرون عن مواقف راسخة وأحكام ثابتة ؟
1.  ثنائية الخطأ والصواب في "نقدات" العصر الإسلامي:
من المسلم به تاريخيا أن ظهور الإسلام شكل لحظة بارزة في حياة العرب، انعكست على مستويات مختلفة لديهم تجاوزت الجوانب العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في حياتهم، لتشمل أنشطتهم الثقافية وأذواقهم الجمالية كذلك، فلم تكن توجيهات القرآن الكريم والحديث الشريف تنظم العلاقة بين الإنسان وربه من جهة، والإنسان وغيره من البشر من جهة أخرى، ولكنها كانت تؤسس كذلك لذوق فني يمتح أسسه وخصائصه من تعاليم الإسلام، وينسجم مع المقاصد الدينية والمشاريع الدنيوية التي يهيأ لها الإنسان العربي.  
وفي هذا الإطار يمكن أن نقرأ صراع "الجاهليين" مع القرآن الكريم لحظة نزوله، وتحديه لهم بالإتيان بمثله، وتعميم موضوع آيات تتحدث عن الشعراء على سورة بكاملها، بحيث أضحت تحمل اسم الشعراء بالرغم من أنها لم تتجاوز أربع آيات جاءت في آخر السورة، هذا بالإضافة إلى العديد من الأحاديث التي تتناول عوالم الشعر والشعراء وتحكم عليها وتوجهها، والتي سعت إلى الإسهام في ترسيخ مواقف ورؤى توظف الشعر وتنمي الذوق في اتجاه جديد.
وإذا تأملنا أبرز الأحكام والتصورات التي تناولت الشعر والشعراء، سنلاحظ أن الكثير منها انتظم ضمن ثنائية "الخطأ والصواب"، وكان ينطلق منها في تقويم التجارب الشعرية وتوجيهها بما ينسجم مع الدعوة الجديدة، ولعل من أبرز الشواهد الدالة على ذلك حكم الرسول (ص) على امرئ القيس بقوله: « ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها منسي في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعر إلى النار.»[3]
فهذا الحديث يقر لامرئ القيس بالسبق والتفوق والأولية في الشعر، ويعترف له بأن إبداعه الشعري صار نموذجا تحتذيه الشعراء وتقتدي به في بناء قصائدها، هذا على المستوى الأدبي، أما على المستوى السلوكي، فإنه يقيمه تقييما أخلاقيا يستند إلى منظور ديني، فيرى أن مصيره في الآخرة هو الشقاء، وأنه سيتقدم الشعراء إلى جهنم، وسينال عذابا أليما بسبب ما اشتهر به من مجون، وما تضمن شعره من فسق وتعهر وإباحية.
وبتأملنا للحديث نلاحظ أن قيمته لا تنحصر في هذا الإطار، بل تتجاوزه إلى ماهو أهم، ذلك أن موقف الرسول (ص) من امرئ القيس وشعره يقوم على أساس توظيف ثناية واضحة تنسجم مع ثنائية الكفر والإيمان التي سعى الإسلام إلى تثبيتها، والتي تعتبر كل زيغ عن تعاليم الدين الجديد كفرا وضلالا وجب تجنبهما، وكل اقتداء بها هدى ونورا يجب التمسك بهما، كما تتناغم مع تمييز آيات الشعراء بين الشعراء المؤمنين والكافرين. مما يعني أن الحديث في عمقه يقوم على المقابلة بين "الخطأ"بـ"الصواب"، فيجعل كل عنصر من هذه الثنائية يولد عنصرا آخر ويرتبط به، إلى حد أننا نسجل انتقالا بين جملة عناصر وأحكام متضادة؛ فوفق المنطق الديني هو إنسان نكرة، ولذلك لم يسمه باسمه (ذاك رجل) كما أوضح أن مصيره النار، أما بحسب المنطق الجمالي فهو شاعر معروف ومشهور، وقد حرص منطوق الحديث على توضيح هاته العلاقات المتنافرة والثنائيات المتقابلة من خلال توظيف جملة دوال متضادة تنتهي إلى نتيجة حتمية واحدة هي العذاب، كما يتضح من الخطاطة الآتية :
"مذكور" "منسي"، "شريف" "خامل" ، "الدنيا" "الآخرة"

القيامة     النار
إن التصنيف الذي يحكم هاته الثنائيات ويوجهها ديني أساسا، ولا يهمه من العمل الشعري قيمته الفنية وخصوصيته التعبيرية، بقدر ما ينظر إليه ويقومه بحسب درجة موافقته للخطاب الديني، ويتضح هذا الأمر جليا في الهوة الساحقة بين مقدمات الحكم ونتيجته، فبعد أن يعترف في بداية الحديث لامرئ القيس بالشاعرية ويقدمه على كل الشعراء، معتبرا إياه إمامهم وقائدهم في الدنيا، لكونه أول من قصد القصيد، ولأن الشعراء كلهم اهتدوا بتجربته وحاكوا شكل بنائه الشعري ورؤيته الجمالية، يصل بعد ذلك إلى نتيجة عكسية لما سطره في بداية حديثه، بحيث يغيب البعد الفني في شخصيته ويقتصر على الجانب الإبداعي، فيصدر حكما دينيا، "يخطئ" سلوكه الدنيوي، متعبرا إياه من أصحاب النار، ومستندا في ذلك إلى حكم شرعي يرفض ما عرف عنه من تعهر في شعره وتفاخر بالقيم الخمرية والغزلية الفاحشة[4] .
 ولئن كان الرسول (ص)  ينطلق في رأيه هذا من ثنائية "الخطا والصواب" التي تنسجم مع روح الدعوة الجديدة القائمة على التمييز بين الكفر والإيمان، فإننا نلاحظ أنها تمثل أساس حكمه على الشعر والشعراء بشكل عام، وتتقاطع -ضمنا أو صراحة- مع آيات الشعراء، التي ميز الله تعالى فيها بين نمطين من الشعر: أحدهما صالح والآخر فاسد، مشيرا إلى أن مصدر الصالح الإيمان بالله تعالى، وأن مصدر الفاسد الهيام واتباع الهوى والشيطان، ولذلك فقد وظف الرسول الكريم في حديث آخر تلك الثنائية، إذ روي عنه (ص) « أنه قال: « إنما الشعر كلام مؤلف، فما وافق الحق منه فهو حسن وما لم يوافق الحق منه فلا خير فيه»، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « إنما الشعر كلام، فمن الكلام خبيث وطيب » وقالت عائشة رضي الله عنها: الشعر فيه كلام حسن وقبيح، فخذ الحسن واترك القبيح. »[5]
يتبين من هنا أن الحد الفاصل بين الخطأ والصواب في المنظور الإسلامي يتمثل في مدى موافقة "الخطاب" للتشريع السماوي، فالخطأ خطأ والصواب صواب ليس بالنظر إلى بنية الخطاب وقيمته الفنية وغاياته الجمالية، بل بالاستناد إلى درجة تطابقه مع التصور الديني للحق والصواب والحسن وغيرها من الصفات التي تعتبر أساس مقصدية الشرع الإسلامي التي لخصتها آيات الشعراء المميزة –كما الحديثين- بين ضربين من الكلام طيب وصالح أو صائب يتوافق مع تعاليم القرآن، ويستحق من ثمة أن يوسم بالحسن والجمال؛ وكلام خبيث وقبيح وفاسد أو خاطئ، لا حسن ولا جمال فيه لكونه، يتعارض مع أوامر الشرع ومقتضياته العقدية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال الخطاطة الآتية:
الشعر/ الكلام

                     خبيث ، قبيح                      طيب، حسن وجميل
   
        خاطئ: لأنه متعارض مع الإسلام             صائب: لأنه متوافق مع الإسلام

لقد كانت موافقة الخطاب الشعري –وغير الشعري أيضا- لمضامين الإسلام ومقتضياته العقدية والأخلاقية شرطا أساسا في لحظات بداية نشر الدعوة، فارتبطت ثنائية الخطأ والصواب بدرجة التوافق بين القرآن وغيره من الخطابات، ولم يكن يؤبه أحيانا كثيرة للعنصر الإيماني حين يتطابق الشعر مع آي الذكر الحكيم، ولذلك نلاحظ أن الرسول (ص) أثنى على بعض الشعراء الجاهليين الذين ماتوا على وثنيتهم لمجرد أنهم عبروا عن قيمة من قيم الفروسية والشهامة أو الأخلاق التي تميز سمت الإنسان العربي، معطلا بذلك الشرط الإيماني الذي يعتبر ضروريا في الإسلام للحكم على خطاب ما بالصواب، ولتبرئته من تهمة الخطأ، فقد روي عنـه (ص) أنه قال: « ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة.»[6]، وروي عنه (ص) أيضا قوله: « أصدق كلمة قالها شاعر لبيد:
إلا كل شيء ما خلا الله باطـل     
وكل نعيم لا محالـة زائــــل.»
        كما روي عنه أنه لما أنشد قول طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
وياتيك بالأخبار من لم تزود
قال معقبا على البيت: « هذا من كلام النبوة »[7]
        يشي تأمل هاته الأحاديث أن الموقف من الشعراء لم يتأسس فيها استنادا إلى العنصر الزمني (الجاهلية)، وإنما على المضمون العقدي، ولذلك لم يجد الرسول (ص) حرجا في الثناء على شعر طرفة ولبيد وعنترة وغيرهم من شعراء الجاهلية بسبب أنهم لم يدركوا الإسلام –خلا لبيد- ، بل لقد اعتبر أن توظيفهم لمعاني موافقة للقيم الإسلامية عنصرا كافيا للإشادة بهم وتوشيح شعرهم بصفة "الصواب"، وهو أمر طبيعي ويندرج ضمن استراتيجية خاصة تنطلق من وعيه بقيمة الشعر بالنسبة إلى الإنسان العربي ومدى تعلق نفسه به، وتروم استثماره باعتباره جزءا أصيلا من التراث الثقافي العربي لإعادة ترتيب الذاكرة العربية، وتوظيفه ضمن مشروعه الجديد[8]، وهو مسعى اتبعه فيه صحابته الذين حرصوا على ترسيخ قيم العروبة الأصيلة التي كانت في الجاهلية، ودعى إليها الإسلام، ولعل من أبرز النماذج الدالة على ذلك ما رواه  عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال له :« أنشدني لأشعر شعرائكم، فقال: من هو يا أمير المؤمنين قال: زهير بن أبي سُلمى: كان لا يعاظل في الكلام ولا يتبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه.» [9]
فأساس الحكم هنا ديني بامتياز، لأن تفضيل عمر بن الخطاب لزهير –بالرغم من أنه شاعر جاهلي مات على "وثنيته"- يعود إلى قيمة الصدق التي تميز بها في شعره، ففضلا عن أن تراكيبه الشعرية كانت متسقة ومبينة بأسلوب سلس وواضح وفصيح، لم تكن عباراته "ساقطة" و "لاماجنة"، كما أن معانيه الشعرية وتخييلاته الفنية لم تكن كاذبة ولا مغرقة في الادعاء والتصوير، بل كانت صادقة، ومطابقة لواقع حال الممدوح.
لقد كانت قيمة الصدق في القول والعمل شرطا أساسا من شروط صحة الإسلام، فالمؤمن كما جاء في الحديث الشريف يمكنه أن يسرق ويزني إلا أنه لا يمكنه إطلاقا أن يكذب، لأن الكذب يتعارض مع صحة الإيمان، ويتنافى مع روح الإسلام، وهو أمر سبق أن أكدته آيات الشعراء التي وضعت تعارضا بين الشعراء الكفار والشعراء المؤمنين، انطلاقا من أن الكون الشعري يقوم عند الفريق الأول على الكذب (في كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون)[10]؛ بينما ينهض عند الفريق الثاني على الصدق (عملوا الصالحات) .
من ثمة، فثناء عمر بن الخطاب على زهير بن أبي سلمى يندرج ضمن توظيف قيمة الصدق التي سعى الإسلام إلى ترسيخها في النفوس، فاعتبره مقياسا فنيا للحكم على الأشعار وتصنيف أصحابها وترتيبهم في درجات الشاعرية، وهو أمر يشي بتصور إسلامي لأدبية الخطاب الشعري يقرن الجمالية بالصدق، ويشترط تحققها بالتخلص من الأهواء والخيالات الكاذبة، والكف عن صياغة معاني وتصوير عوالم مفارقة للحقيقة ومغايرة للواقع .
ولعله من الجدير هنا التساؤل عن طبيعة الصدق الذي يتحدث عنه ابن الخطاب ويعتبره مقوما رئيسا للحكم بأدبية النص الشعري هل هو أخلاقي أو فني أو ديني، خاصة وأننا نجد في اللحظة المعرفية والتارخية التي ينتمي إليها عمر من يعبر عن وعي عميق يرى ضرورة التمييز في الشعر بين الصدق الفني والصدق الأخلاقي كما في قول الشاعر [11]:
وإن أحسن بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنت أنشدته صدقا
فهذا البيت يضع حدا فاصلا بين الصدق الفني وغيره، مؤكدا أن مقياس جمالية الشعر وصدقه تتوقف على مدى قدرته على تحريك مشاعر المتلقي وتعبيره عنها، بحيث يستشعر وكأن الشاعر لا يعبر عن نفسه، بل عن حال هذا المتلقي الذي يتلقى شعره.
وقد يكون ابن الخطاب واعيا بذلك، لكنه كان أكثر وعيا وأشد حرصا على تثبيت القيم الدينية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام، ولذلك فالشعر بالنسب إليه ينبغي أن يتحول إلى وسيلة تخدم الإسلام وتؤكد معاني القرآن وترسخها في النفوس، ومالم يلتزم الشعراء بذلك قد يتعرضون إلى التنكيل والحبس[12]، أو –في أقل الأحوال- تسجب عنهم صفة الشاعرية، ويحرمون من العطايا والجوائز المالية، ولعل أبرز مثال على ذلك الحكاية التي جرت بينه وبين الشاعر سحيم بن عبد بني الحسحاس الذي أنشده قصيدة قال في مطلعها :
عُميـــرة ودع إن تجهزت غاديا
كفـى الشيب والإسلام للمرء ناهيــا
    فبالرغم من أن الشاعر لم يخرق القواعد والقيم التي سعى الإسلام إلى ترسيخها، ولم يعتور بيته أي عدول عن المقومات الجمالية للخطاب الشعري من قبيل السقطة العروضية، أو الركاكة والخطأ في التعبير، وبالرغم أيضا من أنه أثنى على الإسلام وأقر بقيمته التوجيهية، إلا أن عمر بن الخطاب كان يفضل أن يقدم الشاعر الإسلام على الشيب، وأن يجعله أول ناه عن ارتكاب المعاصي، إذ قال له: « لو أنك قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك»[13]، مبرزا بذلك أن الشعرية تتحقق في تصوره بالخضوع لذوق جمالي مغلف بروح دينية، وأنه لا يكترث بالطبيعة الجوهرية للشعر التي تجعل منه خطابا إبداعيا فريدا تتحكم في بنائه اللغوي وصياغته التركيبية رؤى جمالية وقواعد فنية دقيقة.
ذلك أن الشاعر لو اتبع رأي عمر لوقع في سقطة عروضية فادحة، وعوض أن يستقيم البناء الإيقاعي للشطر الثاني من بيته، فيأتي على وزن البحر الطويل: فعولن/ مفاعيلن/ فعولن / مفاعيلن، كان سيختل شطره عروضيا بسبب تقديم الإسلام على الشيب، وكانت تفعيلته الثانية ستأتي على وزن فاعلاتن بدل مفاعيلن كما يتضح من المثال الآتي:  فعولن/ فاعلاتن/ فعولن / مفاعيلن.
إن أبرز خلاصة يمكن الإنتهاء إليها هنا أن توظيف ثنائية الخطأ والصواب لتقويم الشعر والشعراء في لحظة صدر الإسلام كان يروم إخضاع الموقف الجمالي للموقف الديني، فكان يتوسل بمعايير الحلال والحرام، والتقوى والمعصية، والإيمان والكفر وغيرها من الثنائيات التي تسعى إلى ترسيخ القيم الدينية في نفوس المسلمين وخيالاتهم. ولئن كان هذا الأمر ينسجم مع المشروع الحضاري للإسلام الذي سعى الرسول (ص) وصحابته (ض) إلى تحقيقه وبناء قواعده في شتى مناحي الحياة، فإنه أدى إلى حد بعيد إلى إضعاف الشعر والخروج به عن طبيعته الجمالية التي تتأسس على الإبداع والحرية في القول والتعبير، ذلك أن دعوة الشعراء إلى الالتزام بتصوير الحقائق والتعبير الصادق عنها حولهم إلى خطباء ومقررين يعبرون بشكل مباشر عن ظواهر الواقع وتحولاته، فانحسرت روح الإبداع لديهم وتراجعت طاقة التخييل عندهم، وهو ما لاحظه الأصمعي (ت 216هـ) وسطره في قولته الشهيرة حول ضعف الشعر في صدر الإسلام[14].
وقد أسهم توجيه الشعراء نحو تناول موضوعات معينة وبأساليب محددة -تنحصر في الالتزام الحرفي الدقيق بتعاليم الإسلام والتعبير عنها شعريا- في تبلور وعي جديد يسائل ما اعتبر في السابق "خطأ" وما كان يعد "صوابا"، وهو وعي سيمكن من نشأة فكر جديد ورؤية مغايرة يعيان طبيعة الشعر ويحرصان على التنبيه عليها، ولعل من أبرز ما يدل على ذلك الحكاية التي جرت بين الشاعر الراعي  وعبدَ الملك بن مروان، فقد أنشده قصيدة فلما بلغ قوله :
ياخليفة الرحمن إنا معشر
حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله في أموالنا
حق الزكاة منزلا تنزيـلا
قال له ابن مروان بلغة لاتخلو من احتجاج: « ليس هذا شعرا، هذا شرح إسلام وقراءة آية»[15].
يتبين من خلال تأمل هاته الحكايات أن الخطأ في الشعر عند العرب بعد عصر صدر الإسلام لم يعد مرتبطا بالابتعاد عن قيم الإسلام والتعارض مع توجيهات القرآن وتعاليمه، بل أصبح عكس ذلك تماما، بحيث صار ما كان يعد خطأ صوابا، وأضحى ما كان يعد صوابا خطأ. وهكذا نلاحظ أن احتجاج عبد الملك بن مروان على الشاعر عبيد بن حصين لم يكن بسبب سقطة عروضية وقع فيها أو خطأ تعبيري ارتكبه، بل بسبب توظيفه لمعاني دينية بلغة تقريرية وعبارات مباشرة، وهو ما اعتبره متعارضا مع الجوهر التخييلي للشعر الذي يقتضي الانزياح عن الواقع والتخلص من لغته اليومية المألوفة، والتعبير بدل ذلك عن عوالم جديدة ومعاني بديعة لم تدرك من قبل .
 وتدل عبارة « ليس هذا شعرا، هذا شرح إسلام وقراءة آية» على أنه يضع حدا فاصلا بين الكون الشعري والكون الديني، انطلاقا من بنيات ووظائف كل منهما، فالدين تشريع سماوي ينظم علاقة الإنسان بربه، بينما الشعر خطاب وجداني يروم إمتاع النفس ومؤانستها، وينشد تجديد وعيها بالأشياء والمعطيات على نحو جمالي ممتع. وإذا كان الدين قائما على الجد والصدق، فإن الشعر يقوم على اللهو والتخييل .
ولم تكن حكاية عبد الملك بن مروان مع الشاعر الراعي فريدة ومنعزلة في موضوعها، فقد نقلت لنا كتب الأدب والتاريخ العديد من أمثالها، مما يبين أن أهمية "الإشارات والتوجيهات الدينية" التي وجدناها مع الرسول (ص) وصحابته (ض) كان لها الفضل –خاصة بعد اقتداء العديد من الشعراء بها- في إعادة طرح سؤال الشعر، والتفكير في ماهيته وحقيقته، ومن ثمة تأمل أحكام "الخطأ والصواب" في الشعر، وإعادة مراجعتهما، ومن أبرز الحكايات التي تبين ذلك، ما روي عن علي بن الجهم حينما قام يمدح الخليفة المتوكل، قائلا:  
« الله أكبر ، والنبي محمد
والحق أبلج ، والخليفة جعفر
فرد عليه شاعر آخر ساخرا:
أراد ابن الجهم أن يقول قصيدة
بمـدح أميـر المؤمنيـن فأذنـا
فقلت لـه : لاتعجلـن  بإقامـة
فلست على طهر ، فقال : ولا أنا »[16]
ولئن كانت هاته الحكاية تبين أن التفكير في خصوصية الخطاب الشعري والانشغال بالبحث في الحدود القائمة بينه وبين الخطاب الديني أضحى أمرا ملحا في هاته المرحلة، فإنها تؤكد زعمنا السابق بأن مرحلة ما بعد صدر الإسلام اتسمت في عمومها بإعادة مراجعة التصنيفات والأحكام السابقة المتصلة بثنائية الخطأ والصواب، وهي مراجعة كان من أبرز نتائجها الوعي بضرورة وضع تحديد مفهومي للشعر يميزه عن سائر الخطابات اللغوية الأخرى، ويحدد نوعية دلالاته وطبيعة أساليبه. فلم يعد الانتقاد مقتصرا على التوظيف المباشر للمعاني الدينية والآيات القرآنية، بل شمل كل الخطابات التي يعبر عنها بلغة تقريرية. وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم انتشار آراء وأحكام تعتبر أن الشعر ليس لغة تقريرية أو خطابا موزونا مقفى، بل هو بالدرجة الأولى صناعة جوهرها التصوير وأساسها التخييل، وهي آراء وأحكام ترددت لدى العديد من الشعراء والمتأدبين والنقاد وغيرهم[17]، وكانت نتيجة للمواقف السابقة التي وصمت بـ"الخطأ ".
لقد مكن هذا الوعي من تخليص تقويم الشعر من ثنائية الحرام والحلال، فلم يعد يعتبر كل حرام خطأ وكل حلال صوابا، بل أصبح يستند في تمييزه إلى الخصائص الفنية والمميزات الأسلوبية للخطاب الشعري، وهو أمر يجد تفسيره في تنامي الوعي بخصوصية التجربة الشعرية وطبيعتها التعبيرية والتخييلية، وبداية تشكل العلوم العربية التي ستبلور أجهرة نظرية ومفهومية تقارب الشعر وفق معايير وقواعد دقيقة، وإذا كان الفضل في ذلك يعود إلى ظهور بعض اللغويين والعروضيين والبلاغيين والنقاد، فإنه لا يعني إطلاقا أن النظرة الدينية الموجهة لـ "ثنائية الخطأ والصواب" والمتحكمة فيها قد توقفت وتراجعت، بل إنها ظلت حاضرة –وبصيغ مختلفة في هاته المرحلة والمراحل اللاحقة لها- وذلك من خلال تقويم الشعر استنادا إلى رؤى مغايرة ومنطلقات مختلفة، وهو ما نلاحظه لدى بعض اللغويين والعلماء الرواة والنقاد.
2.   ثنائية الخطأ والصواب لدى اللغويين والنقاد:
لقي الشعر عند اللغويين العرب القدامى عناية بالغة، فقد كان مادة أساسا للتقعيد للعربية وتمييز الصحيح من الخطأ في استعمالاتها، واعتبر وسيلة لفهم آي القرآن الكريم وإدراك أسرار إعجازه. وحين متابعة ثنائية "الخطأ والصواب" عندهم نلاحظ أنها اتخذت منحى مغايرا لمن سبقهم، بحيث لم يعد الخطأ والصواب في الشعر يستند إلى القيم الأخلاقية والتوجيهات الدينية التي سعى الإسلام إلى ترسيخها، بل أصبح يتحدد في تصورهم بدرجة مراعاة العرف اللغوي وتقاليد التعبير المتوارثة، دون الاكتراث بجمالية الأسلوب المستحدث، أو غنى الصورة المعبر عنها وعمقها التخييلي، ولعل من أبرز الأمثلة في هذا الإطار الحكاية التي جرت بين اللغوي أبي إسحاق الحضرمي (ت117 هـ)، والفرزدق ( ت 114 هـ) حين مدح عبد الملك بن مروان قائلا :
هموم المنى والهوجل المتعسف
« إليك أمير المؤمنيـن رمــت بنا
من المال إلا مسحتا أو مجلـف
وعض زمان يا بن مروان لم يــدع
فقد سأله الحضرمي: «على أي شيء رفعت مجلف ؟ فأجابه الفرزدق: على ما يسوؤك وينوؤك ، علينا أن نقول وعليكم أن تحتجوا »[18].
يتبين من خلال هاته الحكاية أن الحضرمي لم يستغ خرق الشاعر لقاعدة نحوية تقتضي أن يكون المعطوف تابعا للمعطوف عليه في كل أحواله الإعرابية، مما يوجب أن تأتي كلمة "مجلف" منصوبة لا مرفوعة. وإزاء هذا "الخطأ" اللغوي الواضح، طلب منه أن يبين سبب رفع الكلمة بدل نصبها، بيد أن الفرزدق وعوض أن يفصح عن العلة الإعرابية التي استند إليها، ثار في وجه الحضرمي، منبها إياه أن الصيغة اللغوية صحيحة، وتتوافق مع سنن لغة العرب، وطالبا منه في الوقت نفسه أن يبحث بنفسه واستنادا إلى وظيفته عن سبب رفعها بدلا من نصبها. ولئن كانت تتمة الحكاية لا تخبرنا بذلك، فإن الرويات تفيد أن غيره من النحاة والنقاد اللاحقون أوضحوا أن العبارة "صائبة"، وتدخل ضمن باب الضرورة الشعرية، فأكدوا أن حرف "أو" ليس للعطف ولكنه للتخيير والاستئناف، وأن الأصل في الجملة هو: « مسحتا او هو مجلف »، وبذلك تكون كلمة "مجلف" خبرا لمبتدأ محذوف تقديره « هو مجلف.»[19]
تبرز قيمة هذا الشاهد في كونه يعطي صورة دقيقة وواضحة عن تلازم "ثنائية الخطأ والصواب" في بعض النمادج الشعرية، بحيث إن هذا التعليل الذي ينفي عن العبارة الخطأ ويؤكدها صوابها لم يقنع بعض اللغويين والنقاد، فظلوا يؤاخدون الفرزدق على مسلكه هذا، مؤكدين في الوقت نفسه أن العلة التي فسرت بها مجرد ضرب من الاحتيال والتمويه، يقول ابن قتيبة في هذا الإطار: « فرفع آخر البيت ضرورة وأتعب أهل الإعراب في طلب العلة، فقالوا وأكثروا ولم يأتوا فيه بشيء يرضى، ومن ذا الذي يخفى عليه من أهل النظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيال وتمويه.»[20].
وثمة مثال آخر يعكس بجلاء حضور "ثنائية الخطأ والصواب" في نقد اللغويين للأشعار، فقد روي أن الأخفش لما سمع قول بشار بن برد :
تلاعب نينان البحور وربما
رأيت نفوس القوم من جريها تجري

عاب عليه استعماله لكلمة "نينان" في وصفه لسفينة في البحر، قائلا: «لم يُسمع بنون ونينان.»[21]، لأن في رأيه لم يثبت في المعجم القديم ما يدل على أن العرب استعملت كلمة "نينا " التي وظفها الشاعر للدلالة على الحيتان، ولذلك فقد خطأه فيها لغويا.
 لكن إذا وقفنا عند البيت الشعري وتأملنا الكلمة في بنيتها اللغوية ودلالاتها الإيحائية، فإننا نلاحظ أن اختيار الشاعر لها جاء متناغما مع الجو العام المضطرب الذي يسود ظهر السفينة ويطبع نفسية ركابها، والمتمثل في طغيان حركة واحدة متماوجة ومتلاعبة بكل العناصر، فموج البحر يتلاعب بعضه ببعض، ومن حركة الأمواج المتصادمة والمتوالية يتولد تماوج آخر بين موج البحر والحيتان، ومن هاذين التماوجين يتولد تماوج ثالث وتلاعب آخر بين الحيتان والموج من جهة والسفينة من جهة أخرى، ومن كل ذلك يتوالد تماوج آخر متعاصدة بنفوس ركاب السفينة، الأمر الذي ينتج في النهاية حركة واحدة ذات إيقاع متناغم ومتماوج، كما يتضح من الخطاطة الاتية:
Ellipse: السفينة
الركاب
الموج
الحيتان
                      
                        إيقاع متموج
                      

إن الصورة التي أراد الشاعر التعبير عنها لم تجد في المعجم اللغوي كلمة تدل عنها بمنتهى الدقة والعمق التخييليين، فأداه ذلك إلى توظيف كلمة تختزل جمالية الصورة وتشي بقوة الإيحاء، وعوض أن يركز الأخفش على هذا البعد الفني حصر نظره في الجانب اللغوي القاعدي، فلم يلتفت إلى قيمة الصورة، كما لم ينتبه –ويحاول أن يفسر- كيف لأعمى أن يدرك بخياله ويصوغ بشعره صورة بهاته الدقة والعمق .
على هذا الأساس يتبين أن نقدات النحاة التي اهتموا فيها بتتبع السقطات النحوية للشعراء ظلت محصورة في الجانب اللغوي للشعر، ولم يول أصحابها أية عناية لبعده الفني وخاصيته التخييلية، فلم يكن يهمهم جمال الصورة أو قبحها، دقة التركيب أو خلله، صدق الشاعر أو انفعاله، جديته أو تقليديته، بقدر ما كان يهمهم الجانب القاعدي المبني على الخطأ والصواب وليس الجودة والرداءة الفنيتين. وهم وإن كانوا يسعون في ذلك إلى الحفاظ على اللغة العربية من كل لحن أو عبارات دخيلة، فإن الدافع الحقيقي وراء ذلك كان دينيا بامتياز، وكان الحفاظ على سلامة اللغة العربية وصفاءها في عمقه حفاظا على "لغة القرآن".
ولذلك نلاحظ أن الأخطاء التي وصم بها شعر الكثير من الشعراء، وتعصب اللغويين والمتأدبين والعلماء الرواة للشعر القديم ورفضهم الاستشهاد بشعر المولدين والمحدثين إنما كان دافعه دينيا، ومحركه الخوف على صفاء لغة القرآن الكريم وضياع الهوية العربية خاصة في ضوء الصراع مع الأمم التي دخلت الإسلام وصارت تهدد الذات العربية في وجودها.
وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم رفض العديد من الأشعار بدعوى "الخطأ" والزيغ عن سنن الموروث الشعري القديم، والتي وصلت درجة واضحة من التعصب الأعمى للقديم، من ذلك ماروي عن الأصمعي حين أنشد إسحق بن إبراهيم الموصلي بيتين شعريين له أمام الأصمعي يقول فيهما:
هل إلى نظرة إليك سبيــل
فيروى الصدى ويشفى الغليل
إن ما قل عندك يكثر عندي
وكثير ممـن تحب القليــل
فسأله الأصمعي« لمن تنشدني؟ فقال: لبعض الأعراب، فقال: والله هذا هو الديباج الخسرواني، فقال: إنهما لليلتهما، فقال: لاجرم، والله إن أثر الصنعة والتكلف بين عليهما.»[22]، وشبيه بهذا يروى عن الأصمعي، فقد أنشد مرة أبياتا من شعر أبي تمام « وهو لا يعلم قائلها، فاستحسنها وأمر بكتبها، فلما عرف أنه قائلها، قال: خرقوه.»[23] ، وقد بلغ تعصه للقديم ورفضه لشعر أبي تمام أن قال عنه: « إن كان هذا شعرا فكلام العرب باطل.»[24]
تدل هاته الأحكام وكثير غيرها على أن اللغويين والعلماء الرواة كانوا ينطلقون من تصور يعتقد أن اللغة –كما الشعر- لا تتقدم، بل هي في تراجع مستمر، وأن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على أصالة لغة القرآن وطهارتها تكمن في التصدي لكل خرق لها وانحراف عن بنياتها المعجمية والتركيبية والأسلوبية القديمة، ويقوم هذا التصور على التمييز بين مستويين من التعبير اللغوي، يمثل الأول الشعر الجاهلي والإسلامي والقرآن الكريم، وهو مستوى اللغة الصحيحة والأصيلة؛ ومستوى شعر المولدين والمحدثين، وهو مستوى خاطئ أو باطل حسب عبارة ابن الأعرابي .
وإذا تابعنا مختلف الآراء والتصورات المنتمية لهاته المرحلة سنلاحظ أن أولئك الشعراء الذين كان يرفض شعرهم ظلوا يلحون في مواقفهم وأشعارهم على عمق ارتباط نصوصهم بالعربية الأصيلة، ويؤكدون خطأ الأحكام التي كان يصدرها خصومهم، ولعل من أبرز النماذج الدالة على ذلك رد أبي تمام على السائل الذي طلب منه قطرة من ماء الملام بقوله إنه سيعطيه إياها حين يأتيه بريشة من جناح الذل، وهو يشي بوعي راسخ لديه بأن لغته وأساليبه الشعرية من صميم لغة القرآن، وبأن التاريخ سينتصر لشعره، وسيبرز أن ما اعتبر خطأ هو عين الصواب، وأن ما اعتقده منتقدوه بأنه صواب هو الخطأ بعينه. 
ولئن كان هذا الرأي سيبلور لاحقا موقفا يرد الاعتبار لشعر المولدين، فإنه سيؤدي أيضا إلى بروز وعي جديد بضرورة الحكم على الشعر بالصواب والخطأ استنادا إلى بنيته الدلالية والأسلوبية، وليس إلى عصر صاحبه، وهو ما يتضح جليا في قول خلاد الأرقط لأبي عبيدة: « اتق الله واحكم بين شعري وشعر عدي بن زيد، ولا تقل ذاك جاهلي وهذا إسلامي، وذاك قديم وهذا محدث، فتحكم بين العصرين، ولكن احكم بين الشعرين، ودع العصبية.»[25]
لقد كانت هاته الدعوة والماحظة بمثابة احتجاج على موقف مسبق يرمي الشعر بالخطأ دون وجه حق، ويقصر صفة "الصواب" على المرحلة الفنية السابقة عليه. ونحن وإن كنا لا نعلم تتمة الحكاية، والموقف الذي اتخذه أبو عبيدة من شعر الشاعر، فإن الكتب النقدية التي ظهرت لاحقا أجمعت كلها -من خلال استشهادها بأشعار أبي نواس وبشار بن برد وأبي تمام وغيرهم من الشعراء المحدثين – أن ما اعتبر خطأ في تصور الرعيل الأول من اللغويين والمتأدبين وخروجا عن تقاليد الإنتاج الشعري ليس من الخطأ في شيء، بل هو عين الصواب، الأمر الذي حرر مواقف النقاد القدامى من التعصب المجاني، فصارت أكثر موضوعية وأشد حرصا على تقويم الشعر استنادا إلى جوهره الفني وطبيعته الجمالية.
والباحث في التراث النقدي العربي القديم يلاحظ أن تطور الآراء والتصورات النقدية إنما كان نتيجة لمراجعة الأحكام السابقة، فكتاب الموازنة للآمدي إنما هو محاولة لاستعراض مواقف أنصار أبي تمام والبحتري لتصحيح الكثير منها وتقويمه، كما أن كتاب الوساطة للجرجاني هو في عمقه محاولة للتدخل بين المتنبي وخصومه لرفع سوء الفهم بينهما، وتصحيح الكثير من الآراء والأحكام الشائعة التي تخطئ الشاعر دون وجه حق... وبقدر ماحكم ذلك كتبا بأكملها، حكم أيضا الكثير من المباحث والأجزاء فيها، فقامت تصورات أصحابها على مراجعة أحكام السابقين وتصحيحها، مبرزة صحة ما اعتبر خطأ وخطأ ما اعتبر صوابا.
ومما يبين ذلك تخطيء النابغة الذبياني للحسان بن ثابت في بيت شعري، واعتبار قدامة بن جعفر أن ما عبر عنه هو عين الصواب، وأن رأي النابغة فيه هو الخطأ، والمقصود بذلك قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقد عاب عليه النابغة وصفه للجفنات بالغرة بينما كان عليه أن يصفها بالبياض، وخطأه في قوله "الضحى" في حين كان عليه أن يقول "الدجى" ، كما آخذه على قوله يقطرن، وكان حريا به في تصوره أن يقول: "يجرين" ، وقد أخذ برأي النابغة الذبياني في هذا الرأي الكثير من النقاد والمتأدبين، لكن قدامة بن جعفر كان له رأي مخالف، ففي تصوره :
 « أن هذا الرد على حسان، من النابغة كان أو من غيره، خطأ وأن حسانا مصيب إذ كانت مطابقة المعنى بالحق في يده، وكان الرد عليه عادلا عن الصواب إلى غيره.
فمن ذلك أن حسانا لم يرد بقوله "الغر" أن يجعل الجفان بيضا (...) لكنه أراد بقوله "الغر" المشهورات (...) وأما قول النابغة في "يلمعن بالضحى" وانه لو قال "بالدجى" لكان أحسن من قوله "بالضحى"، إذ كل شيء يلمع الضحى، فهذا خلاف الحق، وعكس الواجب، لأنه ليس يكاد يلمع بالنهار من الأشياء إلا الساطع النور الشديد الضياء (...) فأما قول النابغة أو من قال إن قوله في السيوف "يجرين" خير من قوله "يقطرن" لأن الجري أكثر من القطر، فلم يرد حسان الكثرة، وإنما ذهب إلى ما يلفظ به الناس ويعتادونه من وصف الشجاع الباسل والبطل الفاتك بأن يقولوا سيفه يقطر دما ولم يسمع سيفه يجري دما. ولعله لو قال يجرين دما يعدل عن المألوف المعروف من وصف الشجاع النجد إلى مالم تجر عادة العرب بوصفه...» [26]
تبرز قيمة هذا النص وأهميته في كونه يؤكد أن أحكام الخطأ والصواب لم تكن ثابتة دائما في الثقافة النقدية العربية القديمة، بل كانت متحركة ومتغيرة، فقد كانت توصم نصوص بالخطأ، لكن سرعانما يتم اكتشاف خطأ تخطيء أصحابها، فيصحح الخطأ إلى الصواب، ويصبح ماكان يعد صوابا خطأ. ولئن كان قدامة بن جعفر ييبين عمق التصوير وبلاغة التعبير في بيت حسان بن ثابت، فإنه ظل مع ذلك حريصا على عدم إلصاق سوء الفهم والتأويل بالنابغة الذبياني، وهو ما نتبينه من خلال عبارة «أو من قال إن قوله»،التي تدل على احترامه للنابغة، واستبعاده أن يقع في مثل هذا الخطأ مع ما عرف فيه من امتلاك لقدرة إبداعية خارقة، وعلم واسع بالشعر.
وقد كشف قدامة بن جعفر بهذا الموقف وذلك التحليل مسألة هامة في نقد الشعر عامة، والعلم خاصة مؤداها أن المعرفة تظل نسبية ومحدودة، وأن الإحاطة الدقيقة بعمق القضايا وجوهرها يحتاج إلى شروط علمية وأدوات منهجية وسياقات تقبلية ملائمة، خاصة إذا تعلق الأمر بمعطيات لغوية أو فكرية، صدرت عن سلط معرفية أو أدبية، وتبدو في الظاهر مناقضة لما ترسخ في الذوق الجمالي وأكدته الأبحاث والدراسات العلمية، ففي مثل هاته الحالة يجب الحذر من التسرع في تخطيء أصحابها، والبحث عن المسوغات الجمالية أو النظرية التي قد تكون وراء توظيفها، ولا يدركها المتلقي والدارس، لان المعرفة البشرية تظل في نهاية المطاف نسبية ومحدودة، وقلما يحيط المتلقي بخبايا التجربة وأسرار العبارة. وعلى الرغم من أن قدامة لم يعبر عن ذلك صراحة، إلا أننا يمكن أن نلمسه من إعادة مراجعته لحكم نقدي يعود إلى أكثر من ثلاثة قرون بعد ظهور الإسلام، ومن أسلوب تشكيكه المضمر في كونه صدر عن النابغة الذبياني.
ولعل الناقد العربي الذي كان أكثر وعيا بهاته الحقيقة وتعبيرا عنها هو حازما القرطاجني ، فقد أشار في منهاجه إليها بقوله في نص هام جدا : « (...) كلما أمكن حمل بعض كلام هذه الحلبة المجلية من الشعراء على وجه من الصحة كان ذلك أولى من حمله على الإحالة والاختلال، لأنهم من ثبت ثقوب أذهانهم وذكاء أفكارهم واستبحارهم في علوم اللسان وبلوغهم من المعرفة به الغاية القصوى (...) فلأجل ما أشار إليه الخليل، رحمه الله، من بعد غايات الشعراء وامتداد آمادهم في معرفة الكلام واتساع مجالهم في جميع ذلك، يحتاج أن يحتال في تخريج كلامهم على وجوه من الصحة، فإنهم قل ما يخفى عليهم ما يظهر لغيرهم، فليسوا يقولون شيئا إلا وله وجه، فلذلك يجب تأول كلامهم على الصحة والتوقف عن تخطئتهم فيما ليس يلوح له وجه.»[27]
وما يشير إليه القرطاجني هنا لا يمثل دعوة إلى تقديس السلف، أو ادعاء بعصمتهم من الخطأ، بل إنه ينبه على ضرورة الوعي بنسبية المعرفة ومحدودية الإدراك، وأن الجهل بالرؤى الكامة وراء الخطابات ومرجعياتها النظرية وأسسها الجمالية كثيرا ما يدفع إلى رمي الشعراء والنقاد والبلاغيين بالخطأ في الحكم والتأويل. ولذلك فبدل أن يتسرع المتلقي في تخطيئهم واتهام عقولهم حين يعجز عن استيعاب كلامهم وفهم خطابهم يجب أن يتريت ويتهم عقله وفكره هو، وأن ينمي ثقافته ويطورها بما يمكنه من إدراك صحة ما اعتقد أنه خطأ. 
إن قيمة وأهمية ما يشير إليه القرطاجني هنا تكمن في كونه يمثل خلاصة مراجعة لتاريخ طويل من الأحكام والتصورات سادت بين الشعراء واللغويين والنقاد والبلاغيين، وهو تاريخ اتسم بعمومه بسوء الفهم، وكان يؤدي في مراحل كثيرة إلى إنتاج وهم المعرفة، بحيث كان الخطأ يصحح بالخطأ، ويعتبر الصواب خطأ والخطأ صوابا، نتيجة قصور في التكوين وحدودية في التذوق النصي، أو بفعل إصرار على الانتصار للموقف المذهبي والقناعة الدينية على حساب خصوصية الخطاب وجوهره الفني.
على سبيل الختم :
مكنت متابعة بعض التصورات العربية القديمة حول  الشعر والشعراء من إبراز أن "ثنائية الخطا والصواب" ظلت ملازمة للتفكير النقدي والبلاغي عند العرب، وأن بفضلها تطورت النظرة للشعر، وتعمق الوعي بقيمته الجمالية وخصوصيته الفنية.
فبالرغم من حرص الرسول (ص) وصحابته الكرام (ض) على إخضاع الموقف الجمالي للتصور الديني، وبالرغم من تعصب الكثير من اللغويين والنقاد للشعر القديم ووصمهم لشعر المحدثين  بالخطأ والضلال، إلا أن ذلك مكن –باستمرار- من طرح التساؤل عن ماهية الشعر والتفكير في خصائصه البنيوية ووظائفه الجمالية، الأمر الذي كان يثمر على الدوام وعيا جديدا يستدرك الأحكام السابقة التي خطئ فيها الشعراء، فتتم مراجعتها وبيان صحة ما عبروا عنه وخطأ ما انتقادهم ومنتقديهم.
ويبيح ذلك القول إنه بقدر ما كانت مصادر النقد والبلاغة العربيين وتصورات ومفاهيم أصحابها تؤسس لخطاب علمي جديد ودقيق، كانت في عمقها مراجعة لكثير مما سبقها وإعادة تصحيح له، مما يعني في الأخير أن تاريخ النقد العربي القديم كان تاريخ تصحيح للأخطاء وقطع مع تأويلات دينية ولغوية وفلسفية تخطئ الشعراء والنقاد أيضا في ماهم فيه صائبون.  
الهوامش :


[1] أنظر مثلا إديث كيروزيل: عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو، تر: جابر عصفور، منشورات عيون مقالات، ط1، 1985، ص23-42، 208-242 .
[2] أنظر د. علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، بيروت، ط7، 1977، 1/ 388-390.
[3] ابن قتيبة: الشعر والشعراء، تح: أحمد محمد شاكر، ط3، 1977، 1/132.
[4] الباقلاني: إعجاز القرآن، تح: السيد أحمد صقر، دار المعارف، بيروت، ط4، د.ت، ص 164-167.
[5] ابن رشيق : العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، دار الجيل، بيروت، ط 4، 1972، 1/ 27.
[6] أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني، 8 الأغاني، دار الثقافة، بيروت، ط5، 1981،  / 204.
[7] ابن عبد ربه: العقد الفريد، تح: محمد سعيد العريان، دار الفكر، 6/105.
[8] عبد العزيز جسوس: نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي، المطبعة والوراقة الوطنية، ط2،2008، ص77.
[9]  ابن قتيبة: الشعر والشعراء، مذكور، 1/143.
[10] سورة الشعراء، آية 226.
[11] عبد القاهر القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، تح: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة،ط1، 1991، ص 271.
[12] ابن قتيبة: الشعر والشعراء، مذكور،  1/ 33-34.
[13] الجاحظ: البيان والتبيين، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، ط4، 1/71-72.
[14] المرزباني : الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر، تح: علي محمد علي البجاوي،  دار الفكر العربي، د.ت ، ص 79.
[15]  نفسه، ص 210.
[16] نقلا عن د. عيسى علي العاكوب: التفكير النقدي عند العرب مدخل إلى نظرية الأدب العربي، دار الفكر، دمشق، سورية، ص 72.
[17] أنظر بهذا الخصوص ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، تح: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، د.ت، 1/ 7-8، المرزباني: الموشح، مذكور،ص 442، الجاحظ: الحيوان، تح وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الجانجي، القاهرة، ط5، 1985، 3/ 132.
[18] ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، مذكور، 1/ 21.
[19] المرزباني: الموشح، مذكور، ص 161.
[20] ابن قتيبة: الشعر والشعراء، مذكور، 1/95.
[21] نفسه، ص 385.
[22] الآمدي: الموازنة ، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط1، 1944، ص 24.
[23] نفسه، ص 23.
[24] نفسه، ص 21.
[25] أبو الفرج الأصفهاني: الأصفهاني، مذكور، 18 / 108.
[26] قدامة بن جعفر: نقد الشعر، تح: د.محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت، ص 93- 94.
[27] حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح وتق: محمد الحبيب ابن الخوجة،  دار الغرب الإسلامي،  ط3، 1986، ص 143-144.

لائحة المصادر والمراجع
1-  الآمدي: الموازنة ، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط1، 1944.
2-  أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني، 8 الأغاني، دار الثقافة، بيروت، ط5، 1981.
3-   الباقلاني: إعجاز القرآن، تح: السيد أحمد صقر، دار المعارف، بيروت، ط4، د.ت.
4-  أبو عثمان الجاحظ: البيان والتبيين، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، ط4.
5-  أبو عثمان الجاحظ: الحيوان، تح وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الجانجي، القاهرة، ط5، 1985.
6-  عبد القاهر القاهر الجرجاني: أسرار البلاغة، تح: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة، ط1، 1991.
7-  عبد العزيز جسوس: نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي، المطبعة والوراقة الوطنية، ط2،2008.
8-  قدامة بن جعفر: نقد الشعر، تح: د.محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
9-  ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، تح: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، د.ت.
10-   ابن قتيبة: الشعر والشعراء، تح: أحمد محمد شاكر، ط3، 1977.
11-   حازم القرطاجني: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح وتق: محمد الحبيب ابن الخوجة،  دار الغرب الإسلامي،  ط3، 1986.
12-   ابن عبد ربه: العقد الفريد، تح: محمد سعيد العريان، دار الفكر، د.ت.
13-   ابن رشيق : العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، دار الجيل، بيروت، ط 4، 1972.
14-   د. عيسى علي العاكوب: التفكير النقدي عند العرب مدخل إلى نظرية الأدب العربي، دار الفكر، دمشق، سورية.
15-   إديث كيروزيل: عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو، تر: جابر عصفور، منشورات عيون مقالات، ط1، 1985.
16-   د. علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف، بيروت، ط7، 1977.
17-   المرزباني : الموشح مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر، تح: علي محمد علي البجاوي،  دار الفكر العربي، د.ت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق