الاثنين، 8 نوفمبر 2010

الخطابة في صدر الإسلام


  
       أسهم الإسلام في تطور الخطابة عند العرب، فبعدما كانت تقتصر عند الجاهليين على سَجْعِ الكهان الذي يرتبط بدينهم الوثني، وتلقى في مناسبات محصورة تتعلق بالمفاخرات بالأنساب والأحساب وبالمنافرات ، هيأ لها الإسلام  سبل الازدهار؛  فجعلها الرسول (ص) وسيلة للدعوة إلى الدين الجديد في بداية نزول الوحي، ووظفها بعد ذلك لشرح تعاليمه، وإبراز تصوره لأسس الحكم ونُظُم الحياة والعلاقات التي يجب أن تقوم على الإخاء والمساواة والتعاون ، فكانت بذلك مكملة للذكر الحكيم ، شارحة  ومدعمة له، وصارت جزءا ثابتا من الدين ؛ إذ اعتبرها الإسلام « فرضا مكتوبا في صلاة الجُمَع والأعياد ثم مواسم الحج»
(د. شوقي ضيف : العصر الإسلامي، 106-107.)
وقد توزعت الخطابة في الإسلام بين انواع مختلفة، أبرزها:
      1- الخطب الدينية «هي التي قيلت في الدعوة إلى الإسلام، أو في شرح العقائد، وتبيين الأحكام، أو في الوعظ والإرشاد، كخطب الجمع والعيدين، وموسم الحج، ومن هذا النوع أكثر خطب النبي(ص)
      2- الخطب السياسية: وهي التي قيلت في شرح المسائل السياسية: كاستحقاق الخلافة، وولاية العهد، وبيان المناهج السياسية للخلفاء والولاة كخصب أبي بكر وعمر وعلي.
       3- الخطب العسكرية: وهي التي يقولها القواد وامراء الجيوش عند الزحف والتقاء الصفوف، كخطب الإمام علي، وخالد بن الوليد»(محمد خفاجي:الحياة الأدبية في عصر الإسلام، ص150).
         وتتحدد أغراض في الإسلام في:
     1- الدعوة إلى الإسلام وإلى الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ ونلمس ذلك في « أول خطبة للرسول (ص) ؛ حين وقف بمكة يدعو قومه إلى الله ، يعدهم ويبشرهم ويحذرهم وينذرهم، ويدعوهم إلى نبذ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال:« إن الرائد لا يَكْذِبُ أهله، والله لو كَذَبَتْ الناس ما كَذَبْتكم، ولو غَرَّرَتِ الناس ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم حقا وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون ، ولتُبعثُنَّ كما تستيقظون، ولتحاسَبْن بما تعملون، ولتُجْزَون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءا، وإنها لَلجنة أبدا أو النار، وإنكم لأولُ من أنذر بين يدي عذاب شديد» (محمد خفاجي:الحياة الأدبية في عصر الإسلام،103-104).
    2- الحث على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وإثارة الإيمان والعقيدة في النفوس حتى تقبل على الحرب بعزيمة قوية صادقة ..............
   3- شرح آداب الدين وفضائله، وتبيان أسراره ومزاياه ولفت الناس إلى ما يُصلحهم في دنياهم ويُسعدهم في أُخراهم.
    4-الدعوة إلى الزهد، والتخلي عن ملذات الدنيا ونعيمها (محمد خفاجي:الحياة الأدبية في عصر الإسلام،ص،121-120).
    * خصائص الخطابة الإسلامية :
    1- توظيف الشواهد الدينية المستمدة من القرآن والحديث، وبما يتوافق معها ويدعم معانيها من الشعر العربي....
    2- تلتزم بنية واحدة، تبتدئ بالبسملة، وتتبعها بحمد الله وتوحيده والثناء عليه، وقد أضيفت بعد ذلك التصلية على الرسول (ص)« وقد لاحظ القاضي عياض في الشفاء أن ابتداء الكتب بالصلاة على رسول الله (ص)، لم يكن في ابتداء الإسلام وزمن الخلفاء الراشدين، وأحدث هذا عند ولاية بني العباس.  ذكر السيوطي(911هـ) في كتابه: الأوائل أن أول من زاد في صدر الكتاب بعد " الحمد لله" : وأسأله أن يصلي على محمد عليه الصلاة والسلام، هارون الرشيد.»(مقدمة الكتاب، آرحيلة،97-98)
   وبعد انتهائهم من تناول موضوعهم في خطبتهم ، كانوا ينهون كلامهم بقولهم:« أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم»

     3-  وبالنسبة لأسلوب الخطابة فقد كان يقوم على الإقناع، ويوظف لغة فطرية تساوق الطبع وتوائم السليقة، ولا تتعسف في لفظ أو فكر أو تجنح إلى  خيال، فقد كان الخطيب المسلم يحتذي القرآن الكريم في«  وضوح اللفظ وسهولة الأسلوب، والانسجام التام في بناء الكلمات، وترك السجع المرذول، وهجر الوحشي، والبعد عن التكلف، والإيجاز في موضع الإيجاز، والإطناب فيما يستدعي الإطناب والإطالة...» (محمد خفاجي:الحياة الأدبية في عصر الإسلام،ص-121-122).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق